247
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

ملاحظة جديرة بالاهتمام‏

يقول إينشتاين:

استطاع البشر بعد مرور قرون طويلة أن يكتشفوا أسرار تركيبة الذرّة، وتبيّن لهم أنّ هذا العالم المادّي تَشَكّل من ذرّات ظهرت بدورها من الاتّحاد بين الالكترونات والبروتونات، وأنّ وجود المادّة وبقاءها يتوقّفان على استمرار هذه الاواصر التي تربط بين أجزاء الذرة التي تكوّنت من جزءين متضادّين: سلبي وإيجابي.

وأمّا الباحث المتتبّع فإنّه عندما يتأمّل بدقّة في كلام الإمام عليّ عليه السلام بشأن تفسير الآية ۴۹ من سورة الذاريات، فسوف يكتشف بدهشة أنّه عليه السلام كان محيطاً بأسرار تركيبة الذرّة قبل علماء عصرنا بأربعة عشر قرناً، فقد جاء في أحاديث هذا الباب أنّ الإمام عليّاً عليه السلام أشار إلى مواضيع يمكن مطابقتها اليوم مع الألكترون والبروتون، ولا شكّ في أنّ هذه الأحاديث تشير بدقّة متناهية إلى الروابط القائمة بين هذه الذرّة الأساسية.

كما يمكن أن نحمل كلام النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه و آله في مناظرته مع الدهريين على المواضيع التي مرّ ذكرها، وقد أشار النبيّ صلى اللّه عليه و آله في هذه المناظرة إلى هذه المسألة العلمية الدقيقة قائلاً:۱

فهذا الّذي تُشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعضٍ يفتقر؛ لأنّه لا قِوام للبعض إلاّ بما يتّصل به، كما نري البناء محتاجاً بعضُ أجزائه إلى بعض، والّا لم يتّسق ولم يستحكم.

كما يقول الإمام الرضا عليه السلام في هذا المجال:۲ولم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره؛ للّذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده، واللَّه تبارك وتعالي فردٌ واحد لا الثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يُمسكه، والخلق يمسك بعضه بعضاً بإذن اللَّه ومشيئته.

1.الاحتجاج: ج ۱ ص ۵۵ - ۶۶.

2.التوحيد: ص ۴۳۹، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ ص ۱۷۶.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
246

نستنتج بأنّ التحريف قد نفذ في المصحف الحالي؛ نظراً إلى الاختلافات التي رويت بشأن هذه المصاحف، مقارنة مع المصحف الحالي.۱

نقد الدليل‏

إنّ مثل هذا الاستدلال مرهون - كما ذكرنا بشأن مصحف أمير المؤمنين عليه السلام - بأن تكون المصاحف المدّعاة تحت تصرّفنا، وأن يكون بمقدورنا المقارنة بينها وبين القرآن الحالي، ولا يمكن أن ندّعي نفوذ التحريف بالنقصان في القرآن بمجرّد الاستناد إلى الروايات التاريخية التي لا تثبت -هي أيضاً - الملازمة بين وجود هذه المصاحف ونفوذ التحريف في القرآن.

ويمكننا أن نستنتج من توصيفات مصاحف الصحابة في المصادر التاريخية والروائية: أنّ اختلاف مصحف ابن مسعود ومصحف اُبيّ بن كعب عن المصحف الحالي كان في الإضافات التفسيرية وتحويل بعض الكلمات الغريبة في القرآن إلى كلمات اَُخرى لشرحها وإيضاحها، ممّا لا يضرّ بنزاهة القرآن عن التحريف.

نعم تفيد مصادر أهل السنّة أنّ مصحف ابن مسعود كانت فيه اختلافات اُخرى مع القرآن، وعلى سبيل المثال: فإنّه لم يعتبر المعوّذتين من سور القرآن. ولكن فضلاً عن أنّ سند هذه الروايات واعتبارها بحاجة إلى التأمّل، فإنّ من الواضح أنّه عندما يحدث اختلاف بين مصحف ما من جهة وبين المصاحف الاُخرى والقرآن الحالي من جهة اُخرى، فإنّ من غير الممكن الانحياز إلى مصحف واحد بحكم العقل، بل إنّ القرآن الحالي ثابت بالتواتر، في حين أنّ مثل ذلك المصحف يقوم على خبر الواحد.

ثمّ إنّ مصحف ابن مسعود يعارض الأدلّة القطعية بشأن خلو القرآن من التحريف. وفضلاً عن ذلك فإنّ من غير المستبعد أن تكون نسبة مثل هذه الاختلافات - إلى ابن مسعود ومصحفه - بدافع الانحياز إلى عثمان وتبرير نوع المواقف التي كان قد اتخذها مع ابن مسعود.

1.فصل الخطاب: ص ۱۳۰ - ۱۴۳.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27281
صفحه از 616
پرینت  ارسال به