245
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

مرحلتين: ۱. حفظه في الصدور؛ ۲. كتابته في الصحف. ويصرّح ابن الجزّي بأنّ ما نفذ في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام كان ترتيب نزول الآيات. ولعلّ المراد من قوله «لو وجد هذا المصحف لوجدنا فيه علماً غزيراً» الإشارة إلى المعلومات التي يمكن لذلك المصحف أن يضعها تحت تصرّفنا من خلال ترتيب الآيات والسور، وكذلك شرحه عليه السلام وتفسيره.

وعلى أيّ حال، فإنّ وجود مصحف أمير المؤمنين عليه السلام لا يعني أبداً نفوذ التحريف في القرآن الحالي؛ لأنّ مصحف الإمام اُعدّ بدافعين:

۱. كان أهمّ هدف للإمام - والذي يبيّن في الحقيقة أهمّ خصوصية لهذا المصحف - جمع كلّ الروايات عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله وأقواله في مجال تفسير الآيات وتأويلها وأسباب نزولها. وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يريد أن يضمّ القرآن المتداول بين المسلمين التفسير والتبيين اللذين أوردهما مَن خوطب به - أي النبي صلى اللّه عليه و آله - لأنّ الإمام نفسه أعلن أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله علّمه التفسير والتأويل وكلّ التعاليم المتعلقة بالقرآن، سواء الناسخ والمنسوخ أو المحكم والمتشابه، أو العام والخاص أو غير ذلك.

۲. حُفظ القرآن وسجّل في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله على شكل صحف، وكذلك حفظ في الصدور، وكان ما يحتاجه هو جمعه بشكل موحّد وفي مصحف واحد، وهو العمل الذي قام به الإمام في مصحفه.۱

وبهذا الإيضاح يمكننا أن نسمّي مصحف الإمام عليه السلام «القرآن المفسَّر»؛ وعليه فتدوين مثل هذا المصحف لا يعني قبول التحريف في القرآن الحالي .

الثالث: وجود مصاحف الصحابة

الدليل الأخير الذي يمكن استخراجه من بين أدلّة المحدث النوري باعتباره دليلاً تاريخياً مستقلاًّ : وجود مصاحف الصحابة. ويرى المحدّث النوري أنّه يمكننا أن

1.تفسير العياشي: ج ۱ ص ۱۴؛ تفسير الصافي: ج ۱ ص ۱۹.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
244

ولذلك فإنّ ادعاء بعض الباحثين المعاصرين الذين يعتبرون وجود هذا المصحف أمراً موهوماً، مرفوض، فوجوده قطعي استناداً إلى روايات الفريقين‏۱، ولكن يجب الالتفات إلى أنّ إثبات نفوذ التحريف من نوع النقصان - استناداً إلى وجود مصحف أمير المؤمنين عليه السلام - منوط بأن يكون هذا المصحف تحت تصرّفنا، وأن نتوصّل إلى هذه النتيجة من خلال المقارنة، أو يظهر العلم بوجود الاختلاف بين ذلك المصحف والقرآن الحالي من خلال طرق اُخرى.

ثمّ إنّ الباحثين الذين أبدَوا رأيهم في هذا المصحف أكّدوا هذه الملاحظة وهي : أنّ الاختلاف بين مصحف أمير المؤمنين عليه السلام والمصاحف الحالية يعود إلى جهتين بشكل رئيس:

الأوُلى: انعكس في مصحف الإمام تفسير الآيات وتأويلها وأسباب نزولها وكلّ ما يرتبط بتفسير القرآن وتبيانه، فضلاً عن نصوص الآيات.۲

الثانية: نظّمت سور القرآن في ذلك المصحف على أساس النزول؛ وبناءً على ذلك فإنّ تشكيلة السور وترتيبها في مصحف الإمام يختلفان عما هما عليه في المصاحف الحالية.۳

وعلى سبيل المثال يقول ابن الجزّي الكلبي:
إن القرآن كان قد سُجّل في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله في الصحف وفي صدور الناس؛ إلّا أنّ عليّ بن أبي طالب جمعه بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله على أساس ترتيب النزول، ولو وُجد هذا المصحف لألفينا فيه علماً غزيراً.۴

وتصرّح هذه العبارة بأنّ القرآن كان قد سُجّل وضُبط في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله على

1.للنموذج راجع: الكافي: ج ۲ ص ۶۳۳؛ تفسير العياشي: ج ۲ ص ۳۰۷ - ۳۰۸؛ الاعتقادات: ص ۹۳؛ الطبقات الكبرى: ج ۲ ص ۳۳۸؛ الفهرست: ص ۱۶؛ حلية الأولياء: ج ۱ ص ۶۷.

2.راجع: التمهيد في علوم القرآن: ج ۱ ص ۲۸۸ - ۲۹۶.

3.البيان: ص ۲۲۳ - ۲۲۴ و ۲۲۶.

4.التسهيل في علوم التنزيل: ج ۱ ص ۴؛ التمهيد في علوم القرآن: ج ۱ ص ۲۲۶.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27686
صفحه از 616
پرینت  ارسال به