235
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

۲. الأدلّة الروائية لمدّعي التحريف‏

الأول: روايات أهل السنّة

يرى المحدّث النوري أنّ: روايات التحريف نفذت في مصادر أهل السنّة أيضاً، وادّعاءهم في نسخ تلاوة بعض الآيات المدّعاة لا معنى له سوى التحريف.

ولا يمكن الشكّ في وجود هذه الطائفة من الروايات في مصادر أهل السنة، فقد درس بعضُ الباحثين القرآنيّين ۲۴ رواية من هذا النوع من الروايات التي تنتهي كلّها إلى الصحابة، حيث طرح ادّعاء حذف أربع آيات هي: آية الرجم والرغبة والجهاد، والفراش، من قبل الخليفة الثاني؛ وادّعاء وجود آية الرضعات من جانب عائشة، ونقص آيتين من سورة البيّنة، وكون سورة الأحزاب أكبر من سورة البقرة، وحذف دعاءي الخلع والحفد من القرآن من جانب اُبيّ بن كعب، وحذف سورةٍ بمستوى سورة براءة من قبل أبي موسى الأشعر، واعتبار الحجم الأوّلي لسورة براءة مساوياً لسورة البقرة من قبل مالك بن أنس.۱

وللإجابة على هذه الروايات التاريخية يجب القول: إنّه لم يأتِ في أيٍّ من هذه الروايات أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قد أبدى رأيَه بشأن حذف آيات من القرآن في عهد الرسالة أو بعده، بل إنّ مصدرها كلّها ادّعاءات بعض الصحابة، ونُقلت عن طريق رواة لا اعتبار لهم استناداً إلى اُصول علم الرجال لدى الشيعة. وفضلاً عن أنّ هذه الأخبار تفتقر إلى الحجّية الوجدانية، فإنّ حجّيتها التعبّدية واعتبارها مشروطان هما أيضاً بعدم مخالفة القرآن، في حين أنّ هذه الروايات فاقدة لهذا الشرط. وبالإضافة إلى عدم الاعتبار السندي، فإنّ هذه الأخبار يمكن حملها بسهولة على خلط الحديث القدسي - أي الوحي غير القرآني المنزل على النبيّ صلى اللّه عليه و آله - مع الوحي القرآني من قبل بعض الصحابة۲، أي إنّ الآيات المدّعاة كانت تُعتبر رأياً شاذّاً بين جمهور الصحابة،

1.راجع: صيانة القرآن من التحريف: ص ۱۵۹ - ۱۸۷؛ القرآن الكريم وروايات المدرستين: ج ۱ ص ۹۵ - ۱۳۹.

2.بهذا الشأن راجع: علوم حديث: العدد ۲۰ ص ۹۶ (گفتگو با آية اللَّه سيد مرتضى عسكرى).


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
234

مكتملة، فنحن نعتقد أنّ القراءة الفعلية منسوبة للنبيّ صلى اللّه عليه و آله ، وبعبارة اُخري فانّ القرآن المنزل على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لم يكن له سوى قراءة واحدة هي نفس القراءة المتداولة التي نُقلت عن طريق حفص عن عاصم عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، وكانت شائعة بين المسلمين على أساس التواتر ومن جيل إلى جيل، وهي الآن تحت تصرّفنا، وحديث الإمام الباقر عليه السلام يؤيّد هذا الادّعاء، حيث يقول:
إِنَّ الْقُرْآنَ وَاحِدٌ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ وَاحِدٍ وَلَكِنَّ الاخْتِلَافَ يَجِى‏ءُ مِنْ قِبَلِ الرُّوَاةِ .۱

وعلى أيّ حال، فإنّ الكتاب الذي نزل باعتباره الحبل الإلهي لرفع الاختلاف، واعتبر عدم نفوذ الاختلاف في آياته من جملة أدلّة إعجازه‏۲، كيف يمكنه هو نفسه أن يحتمل القراءات المختلفة، خاصّة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ اختلاف القراءة قد يؤدّي إلى استنباطات وتفسيرات مختلفة، بل متناقضة أحياناً.۳

وما يروى عن اختلاف القراءات في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله أو ادُّعي‏۴ على أساس رواية:
اُنزِلَ القُرآنُ عَلى سَبعَةِ أحرُفٍ.۵

يحمل على اختلاف اللهجات، على فرض صحّتها، وهو أمر طبيعي تماماً۶؛ واستناداً إلى هذه الرؤية فإنّ الاختلاف المفتعل بشأن قراءة القرآن يمثّل من وجهة نظرنا ظاهرة مشؤومة أسهمت فيها عدّة عوامل؛ مثل: نواقص الخطّ العربي في عهد كتابة القرآن، واجتهادات القرّاء، إلّا أنّ هذه الظاهرة، وعلى إثر الإرادة الإلهية القاهرة القاضية بحفظ القرآن من أيّ ضرر، لم تستطع إلحاق أيّ ضرر بقراءة جمهور المسلمين التي تمثّل القراءة والكتابة المتداولتين بين الناس.

1.راجع: ص ۱۳۴ ح ۲۰۹.

2.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱ ص ۶۶؛ البيان في تفسير القرآن: ص ۵۵.

3.راجع: فرائد الأصول: ج ۱ ص ۱۵۷.

4.بحار الأنوار: ج ۳۱ ص ۲۰۷؛ صحيح البخاري: ج ۶ ص ۱۰۰.

5.راجع: ص ۱۳۷ (بحث في أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف) .

6.لمزيد الاطّلاع في هذا الشأن راجع: التمهيد في علوم القرآن: ج ۲ ص ۸۱ - ۹۸.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27554
صفحه از 616
پرینت  ارسال به