مكتملة، فنحن نعتقد أنّ القراءة الفعلية منسوبة للنبيّ صلى اللّه عليه و آله ، وبعبارة اُخري فانّ القرآن المنزل على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لم يكن له سوى قراءة واحدة هي نفس القراءة المتداولة التي نُقلت عن طريق حفص عن عاصم عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، وكانت شائعة بين المسلمين على أساس التواتر ومن جيل إلى جيل، وهي الآن تحت تصرّفنا، وحديث الإمام الباقر عليه السلام يؤيّد هذا الادّعاء، حيث يقول:
إِنَّ الْقُرْآنَ وَاحِدٌ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ وَاحِدٍ وَلَكِنَّ الاخْتِلَافَ يَجِىءُ مِنْ قِبَلِ الرُّوَاةِ .۱
وعلى أيّ حال، فإنّ الكتاب الذي نزل باعتباره الحبل الإلهي لرفع الاختلاف، واعتبر عدم نفوذ الاختلاف في آياته من جملة أدلّة إعجازه۲، كيف يمكنه هو نفسه أن يحتمل القراءات المختلفة، خاصّة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ اختلاف القراءة قد يؤدّي إلى استنباطات وتفسيرات مختلفة، بل متناقضة أحياناً.۳
وما يروى عن اختلاف القراءات في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله أو ادُّعي۴ على أساس رواية:
اُنزِلَ القُرآنُ عَلى سَبعَةِ أحرُفٍ.۵
يحمل على اختلاف اللهجات، على فرض صحّتها، وهو أمر طبيعي تماماً۶؛ واستناداً إلى هذه الرؤية فإنّ الاختلاف المفتعل بشأن قراءة القرآن يمثّل من وجهة نظرنا ظاهرة مشؤومة أسهمت فيها عدّة عوامل؛ مثل: نواقص الخطّ العربي في عهد كتابة القرآن، واجتهادات القرّاء، إلّا أنّ هذه الظاهرة، وعلى إثر الإرادة الإلهية القاهرة القاضية بحفظ القرآن من أيّ ضرر، لم تستطع إلحاق أيّ ضرر بقراءة جمهور المسلمين التي تمثّل القراءة والكتابة المتداولتين بين الناس.
1.راجع: ص ۱۳۴ ح ۲۰۹.
2.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱ ص ۶۶؛ البيان في تفسير القرآن: ص ۵۵.
3.راجع: فرائد الأصول: ج ۱ ص ۱۵۷.
4.بحار الأنوار: ج ۳۱ ص ۲۰۷؛ صحيح البخاري: ج ۶ ص ۱۰۰.
5.راجع: ص ۱۳۷ (بحث في أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف) .
6.لمزيد الاطّلاع في هذا الشأن راجع: التمهيد في علوم القرآن: ج ۲ ص ۸۱ - ۹۸.