227
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وهذا الدليل قويم على مبني إليه العلّامة الطباطبائي أي «تفسير القرآن بالقرآن»، حيث يعمد نصّ القرآن ومضمونه إلى بيان نفسه استناداً إليه، ويتحدّث عن نفسه وعن حقيقة علومه متجاوزاً الشرح الظاهري. ومع ذلك فقد استشكل عليه بعض الباحثين بأنّه يؤدّي إلى الدور؛ لأنّ المدّعى هو سلامة القرآن من التحريف، والدليل هو القرآن نفسه، ومن ثَمّ فإنّ بالإمكان أن نثبت بهذا الدليل أنّ كل محتوى القرآن الحالي قد نزل على النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ولكن لا يمكن أن نثبت أنّه كلّ ما نزل عليه صلى اللّه عليه و آله ولم ينقص شي‏ء منه.۱

الرابع: أبسط أدلة حفظ القرآن من التحريف‏۲

يتمثّل أبسط دليل على حفظ القرآن من التحريف في الحادثة العجيبة التي وقعت لشخص يدعي «كربلائي‏۳ كاظم الساروقي»۴. وهذه الحادثة۵ هي أوضح دليل في

1.راجع: نزاهت قرآن از تحريف: ص ۸۳ - ۸۶.

2.أضيف هذا الموضوع إلى البحث من قبل مؤلف الكتاب (الري شهري). وجدير بالذكر أن بعض أقربائي رأوا المرحوم كربلائي كاظم وشهدوا هذه الكرامة العظيمة.

3.يُطلِق الإيرانيّون على من زار الإمام الحسين عليه السلام اسم «كربلائي» نسبة إلي كربلاء المقدّسة.

4.من المفيد ذكره أنّ ما يشبه هذه الحادثة وقع لشخص (زادان) في عهد أمير المؤمنين(ع) بإعجازه(ع) استناداً إلى إحدى الروايات.

5.جاء في كتاب «داستان حافظ قرآن شدن كربلائي كاظم»: «ولد كربلائي كاظم (۱۲۶۱ - ۱۳۳۷ش) في قرية نائية تدعى ساروق من توابع فراهان بأراك، وفي اُسرة فقيرة وعمل في الزراعة بعد اجتياز مرحلة طفولته. وكان محروماً من القراءة والكتابة كباقي أهالي القرية وليس له نصيب من العلم والمعرفة. وفي إحدى السنين، وفي شهر رمضان المبارك قدم إلى قريتهم أحد المبلّغين من قبل آية اللَّه العظمى الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري وتحدّث عن الصلاة والخمس والزكاة. وأكّد في الوقت نفسه أنّه لو لم يكن للمسلم رأس سنة لتعيين الخمس، ولم ينفق ما عليه من حقوق مالية، بطلت صلاته وصومه. والأشخاص الذين يبلغ قمحهم حدّ النصاب ولا يقدّمون للفقراء حقّهم من الزكاة فإنّ مالهم يختلط بالحرام، وإذا ما اشتروا بيتاً أو ملابس بعين نقود ذلك القمح غير المزكّى فستكون صلاتهم باطلة في ذلك البيت وبتلك الملابس. وباختصار فقد أكدّ أنّ على المسلم الحقيقي أن يلتفت إلى أحكام اللَّه وحلاله وحرامه وأن يُخرج زكاة ماله. وكان محمّد كاظم يعلم أن إقطاعي القرية ومالكها لا يخرج الخمس والزكاة من ماله، فذكّره في البدء، إلّا أنّه لم يُعر انتباهاً إليه؛ ولذلك قرّر أن يغادر قريته وأن لا يعمل لسيّد القرية ومالكها. ورغم أنّ أقاربه - وخاصَّة أباه - أصرّوا على بقائه، إلّا أنّه لم يُذعن لهم ولم يكن مستعدّاً للبقاء في القرية، فهرب منها ليلاً، وراح يعمل في جمع الحطب والأعمال الشاقّة، لثلاث سنوات تقريباً في القرى الاُخرى لتأمين معيشته؛ كي يعيش من كدّ يده ويحصل على الرزق الحلال. وفي ذات يوم علم إقطاعيّ القرية بمكانه، فبعث إليه رسالة أبلغه فيها أنّه قد تاب وأخذ بإخراج خمس ماله وزكاته، وأنّه يريد منه أن يعود إلى القرية ويبقى عند أبيه. فعاد إلى قريته ليعمل في الزراعة في الأرض التي وضعها إقطاعيّ القرية تحت تصرّفه، فمنح الفقراء منذ البدء نصف كمّية القمح الذي كان قد وضع تحت تصرفه وبذر المتبقّي منه في الأرض. فبارك اللَّه في زرعه بحيث كان يحصد أكثر من المتعارف عليه. فقرّر أن يوزع كلّ سنة نصف محصوله بين الفقراء شكراً لبركة زراعته. وفي إحدى السنين، وبعد الحصاد، وفي يوم صيفي قام بدوس بيدره وجلس منتظراً هبوب الريح كي تذري القمح، إلّا أنّ الريح لم تهب، فعاد إلى القرية يائساً. وفي الطريق صادفه أحد فقراء القرية وقال له: لم تعطنا في هذه السنة شيئاً من محصولك، يبدو أنّك قد نسيتنا. فقال: أنا لا أنسي الفقراء أبداً، ولكنّني لم أستطع جمع المحصول بعد. فعاد ذلك الفقير إلى القرية مسروراً، إلّا أنّ محمّد كاظم لم يطمئنّ قلبُه فعاد إلى المزرعة مضطرب الحال، وجمع بعد مشقة كبيرة مقداراً من القمح كما قطف كمّية من العلف لخرافه، وحمل القمح والعلف على كتفه وانطلق إلى القرية، حتّى وصل إلى بستان مقبرة «إمام زاده» المعروف ببستان «مقبرة هفتاد ودوتن» (مقبرة الاثنين وسبعين شخصاً؛ موضع دفن فيه عدد من أولاد الأئمة، ومنهم شاهزاده جعفر وعبداللَّه علي الصالح والمزار المعروف ب «هل دختران». «أربعون بنت». ثم ألقى القمح والعلف جانباً للاستراحة وجلس على منصة باب بستان إمام زاده، وإذا به يرى سيّدين شابّين عربيّين وسيمين نيّري الوجه وعليهما الزي العربي وقد اعتمّا عمامتين خضراوين وهما يتقدّمان نحوه، وعندما وصلا إليه قالاله: ألا تأتي يا محمّد كاظم كي ندخل المرقد ونقرأ الفاتحة؟ فتعجّب من مناداتهما له باسمه وهما لم يرياه أبداً! فقال محمّد كاظم: لقد زرت المرقد من قبل وأنا أريد الآن أن أعود إلى البيت، ولكنّهما قالا: طيّب، ضع هذا العلف جانباً وتعال معنا لتقرأ الفاتحة. ثم انطلقا إلى مرقد السيد وتبعهما محمّد كاظم. وزاروا السيد الأوّل وقرؤوا الفاتحة له كما طلبا من محمّد كاظم أن يقرأ الفاتحة. ثم توجّها إلى مرقد السيد التالي وتبعهما محمّد كاظم وانشغل الشابان بقراءة أشياء لم يفهمها محمّد كاظم، فوقف جانباً وقد ران عليه الصمت، ولكنّه رأى فجأة كلمات من نور كتبت في أطراف سقف المرقد، لم تكن مكتوبة من قبل فقال له أحدهما: يا كربلائي كاظم! لماذا لا تقرأ شيئًا؟ فقال: أنا لم أذهب إلى الكتّاب ولست متعلّماً. فقال السيّد: عليك أن تقرأ. ثم تقدّم نحو محمّد كاظم ووضع يده على صدره وضغط عليه. وقال له: الآن اقرأ: فقال محمّد كاظم: ماذا أقرأ؟ فقال السيّد: هكذا اقرأ: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَ تِ وَالأَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ‏حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَ تٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَلَمِينَ» (الأعراف : ۵۴) .
فقرأ محمد كاظم تلك الآية وبعض الآيات التالية لها مع ذلك السيّد، وكان السيّد مايزال يمسح بيده على صدره حتى بلغا الآية ۵۹ التي تنتهي بهذه الكلمات: «إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ». وبعد أن قرأ محمّد كاظم تلك الآيات، التفت كي يقول شيئاً لذلك السيد، وإذا به لايرى أحداً هناك، وأنّه واقف لوحده في داخل المرقد كما لم يبقَ شي‏ء من الكتابة على السقف، وفي هذه الأثناء اعتراه الخوف، وسقط على الأرض مغشيّاً عليه. وفي صباح اليوم التالي عاد إلى وعيه، وكان يشعر بتعب شديد ولا يتذكّر شيئاً ممّا حدث له وهو يقول في نفسه: أين أنا؟ وماذا أفعل هنا؟ وعندما أدرك أنه داخل المرقد، لام نفسه لأنّه كفّ عن العمل، ونام، وأخيراً نهض من مكانه وخرج من المرقد، وانطلق نحو القرية حاملاً العلف والقمح، وانتبه في أثناء الطريق أنّه يعرف الكثير من الكلمات، وأنّه يرددها بشكل لا إرادي، وتذكّر قصّة الشابّين، ورأى نفسه حافظاً للقرآن. وعندما صادف الناس، قالوا له: اين كنت؟ فتوجّه من فوره إلى إمام جماعة القرية الحاج الشيخ صابر العراقي (الأراكي) وحكى له قصّته، فقال له: لعلّك رأيت حلماً! فقال محمّد كاظم: كلا، لقد كنت في يقظتي، وذهبت إلى المرقد برجلي ومع السيّدين، وها أنا ذا أحفظ القرآن كلّه. فجاء شيخ القرية بمصحف وسأله أن يتلو له سور الرحمن ويس ومريم وعدداً من السور الاُخرى، فتلاها كلّها عن ظهر قلب و من دون أيّ تردّد. فقال الشيخ صابر: أيّها الناس! لقد أنزل اللَّه لطفه وعنايته على كربلائي كاظم وأصبح حافظاً للقرآن! إنّ هذه القصة تمثّل حياة شخص لم يكن متعلّماً ولم يكن يميّز بين الهاء والباء، إلّا أنّ أولياءه شملوه بلطفهم وعنايتهم بفضل تجنبه للمال الحرام والذنوب، والتزامه بأوامر الدين، وظلّ حافظاً للقرآن كلّه حتّى نهاية عمره، وعندما كان يسأل عن الآية، كان يتلو الآية قبلها والآية بعدها، وإذا طُلب منه أن يريهم آية من القرآن، كان يفتح من فوره الصفحة المطلوبة ليضع يده على تلك الآية نفسها! بل كان عالماً بخصائص سور القرآن. وعندما كان يسأل مثلاً عن عدد مرّات تكرر حرف الواو أو الكاف في سورة البقرة، كان يجيب في الفور، وكان بإمكانه أن يقرأ آية بعد اُخرى، من آخر السورة إلى أوّلها، وعندما كانت تفتح أمامه صحيفة أو كتاب مثل (جواهر الكلام) كان يضع يده فوراً على آيات القرآن بالرغم من أنّه لم يكن يميّز الكلمات العادية ولا يدركها، وكان يقول: إن لآيات القرآن نوراً، وأنا اُميّزها عن غيرها بالنور الذي يسطع منها!».


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
226

جملتها قوله - تعالى - :
«قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَ الْجِنُّ عَلَى‏ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ».۱

و :
«إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَ مَا هُوَ بِالْهَزْلِ ».۲

وتبدو جميع معارف القرآن الكريم بكلّ سعتها وكأنّها كائن حيّ تجري فيه روح واحدة، وهذا هو مصدر المعارف القرآنية وأساسها والأصل الذي يرجع الجميع إليه، وهو أصل التوحيد الذي نصل إليه إذا درسنا معارف القرآن واحدة بعد الاُخرى. وكانت قصص الاُمم السابقة والأخبار الغيبية والتنبّؤ بالأحداث المستقبلية قد جاءت صراحة أو كناية في القرآن في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، وكلّها مشهودة في القرآن الحالي. وخلافاً للتوارة والإنجيل فالقرآن يصف الأنبياء بأفضل الأوصاف كما ينبغي لطهارة دين أنبياء اللَّه ونزاهتهم. واختلاف القرآن الكريم عن هذه الكتب مشهود بوضوح في هذا الموضوع.

ومن أشمل الأوصاف التي وَصَف بها القرآنُ الكريم نفسَه: «الذكر» أو ذكر اللَّه. ويؤكّد هذا الكتاب السماوي في وصف نفسه أنّه حيّ دائماً في إرشاد الإنسان إلى اللَّه، وهو يذكر في كل موضع أسماء اللَّه الحسنى وصفاته العليا، ويتحدّث عن سنّته في الصنع والإيجاد، ويذكر أوصاف الملائكة وكتب اللَّه ورسله، ويصف شرائع اللَّه وأحكامه، ويتحدّث عن مصير الخلق؛ أي المعاد والرجوع إلى اللَّه وتفاصيل السعادة والشقاء والنار والجنة، وكلّ ذلك ما هو إلاّ ذكر اللَّه، وهو الذي وصف به القرآن الكريم نفسه بقول مطلق.۳

1.الإسراء: ۸۸.

2.الطارق: ۱۳ - ۱۴.

3.راجع: الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۲ ص ۱۰۵ - ۱۰۷.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27715
صفحه از 616
پرینت  ارسال به