225
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وتغييره فإنّه يتعارض مع دليل التواتر ويُرفض ولا يؤخذ به.۱

الثالث: دلالة محتوى القرآن على براءته من التحريف‏

يرى المرحوم العلّامة الطباطبائي أنّ محتوى القرآن يشهد هو نفسه علي براءته من التحريف، ويقول في هذا المجال إنّ آيات التحدّي في القرآن ذكرت أوصافاً لهذا الكتاب السماوي تمّ التحدي بها، وإنّ تلك الأوصاف موجودة في المصحف الحالي‏۲. فالمراد وجود مجموعة الأوصاف المشار إليها وتكاثرها بنحو جماعي، يوصل العقل والوجدان إلى مثل ذلك اليقين والاطمئنان، لا كلّ واحد من تلك الأوصاف.

وخلاصة كلام العلّامة الطباطبائي هي: نحن نعلم أنّ الكتاب المنزل على النبيّ محمّد صلى اللّه عليه و آله ذكر لنفسه بعض الخصائص بصراحة أو على سبيل الكناية وتحدّى الآخرين بها، وهذه الخصوصيات موجودة في القرآن الحالي. وعلى سبيل المثال: فإنّ فصاحة القرآن وبلاغته المنقطعة النظير مشهودة بالنسبة إلى من يعرف الكلام الفصيح والبليغ، ولا يمكننا أن نجد منذ عهد نزول القرآن وحتّى اليوم شعراً أو نثراً بلغ هذا المستوى من الفصاحة والبلاغة. وهذه الخصوصية تطالعنا في جميع أرجاء القرآن، حيث يقول القرآن الكريم نفسه:
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ».۳

وعدم وجود الاختلاف والتناقض بين آيات القرآن والذي تشير إليه هذه الآية ما يزال يُفهَم في جميع أرجائه، وجاءت آياته بعضها الي جانب بعض بتناسق مدهش. وتعدّ المعارف والحقائق وكليات التشريعات الفطرية والدقائق العقلية والفضائل الأخلاقية التي ابتكرها وأبدعها القرآن الكريم، من الوجوه الاُخرى لتحدّي القرآن، وهي موجودة الآن فيه، ودعا إليها عامة علماء العالم لا أهل اللغة والأدب فقط، ومن

1.المسائل السروية: ص ۸۲؛ التبيان في تفسير القرآن: ج ۱ ص ۳؛ مجمع البيان: ج ۱ ص ۴۳.

2.راجع: نزاهت قرآن از تحريف: ص ۷۶.

3.النساء: ۸۲ .


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
224

وكلماته وحروفه بتواتر لا مجال لاحتمال الخطأ فيه. ففي نهاية عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله كان هنالك الكثير من الأشخاص الحافظين للقرآن، كما أنّ هذا الكتاب السماوي سُجّل وضبط في صحف عديدة لا حصر لها. وقد انتشر القرآن بين المسلمين بحيث كانوا يعرفون الخطأ في أدائه حتّي في حرفٍ أو حركة، ولم يكن مجرّد كتاب يرجعون إليه بين حين وآخر فقط، بل كانوا ينظرون فيه دوماً وبنحو متواصل، ويقرؤون سُوَره في الصلاة، ويختمونه بمناسبات مختلفة، ويتمسّكون بآياته في شؤون حياتهم.

وكان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يحيط علماً ودقّة بما كان الناس يرونه من القرآن، وإذا ما حدث خطأ في نقله أو قراءته، فقد كان يبصّرهم بذلك دون شكّ‏۱. وكتاب سماوي يُتَلقّى بكلّ هذه الدقّة من الرسول، ويُكتب ويحفظ بمثل ذلك الاهتمام بنحو شامل، وله تلك المكانة البارزة في حياة المسلمين اليومية حيث تعتبر تلاوته وحفظه وكتابته ومطالعته وتعليمه وتعلّمه من أفضل العبادات، وفي مرحلة من التاريخ كان إعداد القرطاسية فيها قد أصبح سهلاً للناس، لا شكّ في أنّه لم يحرّف، بل إنّ العقل والفكر لا يُبقيان مجالاً لاحتمال تحريفه. وحتّى إذا افترضنا أنّ الحكّام قد فعلوا ذلك، فإنّ الرأي العامّ لم يكن ليسمح لهم به، كما أنّ أمير المؤمنين لم يكن ليسكت إزاءه، ولما كان الوعي والفكر السياسيان لَيُسمحان به. ومن الطريف أنّ الإمام عليّاً عليه السلام وبالرغم من كلّ ما كان يبديه من اهتمام في الاحتجاج لبيان أحقّية أهل البيت عليهم السلام ومكانتهم، وكان يتمسّك خلال ذلك بمواضع وأشكال مختلفة من الأحاديث، لم يُشر أيّ إشارة إلى تحريف الآيات التي ذهب مُدّعو التحريف إلى تحريفها.

واعتبر علماء الشيعة العلم بسلامة القرآن كالعلم بوجود المدن؛ إذ يغني تواتر خبر وجودها عن معاينتها۲؛ ولذلك فإذا تحدّث خبر واحد عن تحريف القرآن

1.للنموذج ، راجع: مجمع البيان: ج ۱ ص ۴۳؛ شرح مسلم: ج ۱۶ ص ۱۹؛ الصراط المستقيم: ج ۱ ص ۴۴؛ مجمع الفائدة والبرهان: ج ۲ ص ۲۱۸؛ البيان للخويي: ص ۱۵۰ و ۱۵۹؛ بحوث في تاريخ علوم القرآن: ص ۱۲۶.

2.راجع: مجمع البيان: ج ۱ ص ۴۳.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27867
صفحه از 616
پرینت  ارسال به