223
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وكان الخليفة الثاني يدّعي أنّ آية الرجم كانت تُتلى في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله باعتبارها آية من القرآن، ويصرّ على إضافتها إليه، واستناداً إلى إحدى الروايات فقد أعلن عمر أنّه لولا قلقه من ملامة الناس لأضاف آية الرجم إلى القرآن‏۱. فيتّضح من هذا مدى انتشار كتابة القرآن وعموميته بحيث إنّ خليفةً مثل عمر يرى نفسه عاجزاً أمام الرأي العامّ حتّى عن إضافة آية واحدة إلى القرآن رغم كلّ اندفاعه وإصراره في الرأي، كما تدلّ على جو ثقافي شامل في أرض الوحي ينفي أساساً إمكانية أيّ نوع من الزيادة أو النقصان في القرآن.

وفي عهد عثمان عندما عمد إلى كتابة القرآن وتوحيد المصاحف سعى عدد من مؤيّدي الحكم لأن يحذفوا «الواو» الاُولى من قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ». كي تكون هذه الفقرة من الآية وصفاً للأحبار والرهبان الذين ذكروا في الفقرة السابقة عليها، لا جملة مستأنفة في مقام ذمّ كنز الذهب والفضّة من قبل الجميع، سواء الكافر والمسلم ومن ثَمّ تكون الآية ساكتة عن اكتناز الثروة من قبل الحكّام المسلمين، إلّا أنّ صحابي النبيّ صلى اللّه عليه و آله الكبير اُبيّ بن كعب عارض ذلك بشدّة، فلم يتمكّنوا على إثر معارضته من حذف الواو۲. ومن الواضح أنّ اُبيّ بن كعب لم يكن بإمكانه أن يحول دون إقدام الخليفة المقتدر إلّا في ظل عمومية نصوص القرآن، وبدعم الرأي العام للمسلمين.

الثاني: التواتر

يعتبر تواتر نقل القرآن من أهمّ الأدلّة على سلامته من التحريف، وهو يعني أنّ طبقات واسعة من المسلمين نقلت في كلّ العصور والأجيال صدور القرآن الحالي عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله الذي لا شكّ في عصمته‏۳، وقد وصلَنا المصحفُ الحالي بسُوَره و آياته

1.صحيح البخاري: ج ۸ ص ۱۳ و ج ۴ ص ۱۸۶ و ج ۵ ص ۱۷۰ و ج ۸ ص ۲۲و۲۶.

2.الدّر المنثور: ج ۳ ص ۲۳۲.

3.نزاهت قرآن از تحريف: ص ۱۰۶.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
222

والكلام الفصيح والبليغ والجميل، وتشجيع النبيّ صلى اللّه عليه و آله وأمره بحفظ القرآن إلى أن يشمرّوا عن ساعد الجدّ بكلّ شوق وحماس لحفظ القرآن - الذي كان قد اجتذبهم بشدة من حيث المحتوى والصياغة الظاهرية في الوقت نفسه، ولهذا فقد استعان المسلمون في بداية الأمر بذاكرتهم لصيانة القرآن بأمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، إلّا أنّه صلى اللّه عليه و آله لم يكتفِ بذلك وأمر الأشخاص الذين كانوا يعرفون الكتابة بكتابة القرآن؛ ولذلك عرفوا بكتّاب الوحي. من هنا، فإنّ بإمكاننا أن نعتبر الاهتمام البالغ للنبيّ الأعظم صلى اللّه عليه و آله بكتابة القرآن وحفظه وقراءته من أوضح الدلائل على سلامته من التحريف.۱

وكان النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه و آله يدعو الكتّاب لتدوينه بعد تلقّي الوحي من دون تضييع للوقت فيكتبونه؛ ولذلك يمكن القول بيقين: إنّ القرآن الكريم كان في نهاية عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله مجموعة مدوّنة ومكتوبة بنفس الشكل الحالي، ولم تكن متفرّقة وشفوية.۲

وبعد شيوع الكتابة استمرت عملية حفظ القرآن، وكان صلى اللّه عليه و آله يشجع المسلمين على حفظه فضلاً عن كتابته، ويبادر بنفسه إلى تفسير الآيات وتبيانها. والمتخصّصون الذين عمدوا إلى التحقيق في مجال تاريخ القرآن يذعنون بأنّ حفظ القرآن كان واسع الانتشار بين المسلمين. واعتُبرت جاذبية القرآن الداخلية وتشجيع النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه و آله على الحفظ من أهمّ عوامل اهتمام المسلمين بحفظه.۳

ومن جملة شواهد كثرة حفّاظ القرآن بين المسلمين استشهاد عدد كبير منهم في حرب الردّة في عهد الخليفة الأوّل‏۴، حتّي ذكر بعض المؤرخين أنّ عددهم بلغ ۷۰۰ شخص، بل اعتبروا سبب الإقبال على تدوين القرآن هو مقتل هذا العدد من حافظيه.۵

1.راجع: مجمع البيان: ج ۱ ص ۴۳.

2.راجع: الذخيرة في علم الكلام: ص ۳۶۳.

3.البيان: ص ۲۱۶؛ سلامة القرآن من التحريف: ص ۳۴.

4.فتوح البلدان: ج ۱ ص ۱۰۶ و ۱۱۱.

5.صحيح البخاري: ج ۵ ص ۲۱۰ و ج ۶ ص ۹۸؛ تاريخ اليعقوبي: ج ۲ ص ۱۳۵.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27725
صفحه از 616
پرینت  ارسال به