وإذا فُرض أنّ الوحي الإلهي وصل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله كاملاً، وأبلغه بدوره إلى الناس دون زيادة أو نقصان، ولكنّ هذا الوحي (القرآن) تعرّض للتحريف بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فإنّ قليلاً من التأمّل في الظهور السياقي والمتفاهم العرفي لآية الحفظ يُظهر بوضوح أنّ الآية هي في مقام تقرير إتمامية الحجّة الإلهية ومناعة مبادئ التكليف على المكلّفين الذين هم مخاطَبو النبيّ صلى اللّه عليه و آله والوحي.
ثمّ إنّ هذه الشبهة قائمة على أنّ المراد من إبلاغ رسالات اللَّه في الآية «لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ » هو إبلاغ مخاطَبي عهد النزول فقط، في حين أنّ القرآن كتاب عالمي خالد، ومخاطبيه أعمّ من مسلمي عهد النزول، ويشمل كلّ الناس حتّى القيامة. وهكذا فلو حدث تحريف في القرآن حتّى بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فإنّه يعني أنّ الرقابة الإلهية لم تتمّ بنحو كامل ورسالات اللَّه لم تصل كاملة إلى الناس في العصور اللاحقة.۱
۲. الأدلّة الروائية
تدلّ مجموعات مختلفة من أحاديث النبيّ صلى اللّه عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام - مستقلّةً أو بالانضمام إلي غيرها - دلالة واضحة على مصونية القرآن من التحريف، ومن جملتها:
الاُولى. تعيين القرآن باعتباره معيار تقييم الروايات
اعتبرت بعض الروايات القرآنَ معيار التمييز بين الروايات المعتبرة وغير المعتبرة. وتشهد هذه الروايات المعروفة ب «روايات عرض الأخبار على القرآن» بنحو التزامي بأنّ أيّ تحريف لم ينفذ في القرآن. والروايات المذكورة على طائفتين:
أ - الروايات التي تؤكّد بنحو مطلق عرض الأحاديث على القرآن.
ب - الروايات التي يراد منها الأحاديث المتعارضة واعتبرت الموافقة للقرآن