217
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

وإذا فُرض أنّ الوحي الإلهي وصل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله كاملاً، وأبلغه بدوره إلى الناس دون زيادة أو نقصان، ولكنّ هذا الوحي (القرآن) تعرّض للتحريف بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فإنّ قليلاً من التأمّل في الظهور السياقي والمتفاهم العرفي لآية الحفظ يُظهر بوضوح أنّ الآية هي في مقام تقرير إتمامية الحجّة الإلهية ومناعة مبادئ التكليف على المكلّفين الذين هم مخاطَبو النبيّ صلى اللّه عليه و آله والوحي.

ثمّ إنّ هذه الشبهة قائمة على أنّ المراد من إبلاغ رسالات اللَّه في الآية «لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ » هو إبلاغ مخاطَبي عهد النزول فقط، في حين أنّ القرآن كتاب عالمي خالد، ومخاطبيه أعمّ من مسلمي عهد النزول، ويشمل كلّ الناس حتّى القيامة. وهكذا فلو حدث تحريف في القرآن حتّى بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فإنّه يعني أنّ الرقابة الإلهية لم تتمّ بنحو كامل ورسالات اللَّه لم تصل كاملة إلى الناس في العصور اللاحقة.۱

۲. الأدلّة الروائية

تدلّ مجموعات مختلفة من أحاديث النبيّ صلى اللّه عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام - مستقلّةً أو بالانضمام إلي غيرها - دلالة واضحة على مصونية القرآن من التحريف، ومن جملتها:

الاُولى. تعيين القرآن باعتباره معيار تقييم الروايات‏

اعتبرت بعض الروايات القرآنَ معيار التمييز بين الروايات المعتبرة وغير المعتبرة. وتشهد هذه الروايات المعروفة ب «روايات عرض الأخبار على القرآن» بنحو التزامي بأنّ أيّ تحريف لم ينفذ في القرآن. والروايات المذكورة على طائفتين:

أ - الروايات التي تؤكّد بنحو مطلق عرض الأحاديث على القرآن.

ب - الروايات التي يراد منها الأحاديث المتعارضة واعتبرت الموافقة للقرآن

1.نزاهت قرآن از تحريف، ص ۷۳.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
216

الآية: أنّ القرآن لا يسمح لأيّ باطل بالنفوذ فيه بسبب خصوصيته المتمثّلة في المناعة الداخلية وعدم قبول النفوذ فيه. وهذا البرهان هو من نوع برهان «الإنّ» الذي انعكس في نهاية الآية ۴۱ من سورة فصّلت باعتباره برهاناً قبل ذكر المدّعى. ومن جهة اُخرى، فقد وصف القرآن في نهاية الآية بأنّه «تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » ومثل هذا التعبير يتضمّن برهان «اللِّمّ»؛ أي أنّه لمّا كان مصدر نزول القرآن هو اللَّه الحكيم الحميد فإنّ جميع أنواع الباطل لا تنفذ في القرآن، فلو سمح اللَّه للباطل بدخول القرآن فإن ذلك يخالف حكمته، حيث وصف القرآن بأنه كتاب هداية وناسخ لكلّ الكتب السماوية السابقة، كما أنّ السماح لنفوذ الباطل في القرآن هو بمعنى قبول كون القرآن مَشوباً، وهذا الأمر يتنافى مع كون اللَّه منزّهاً وحميداً.۱

الثالثة: آية الرصد الإلهي‏

تبيّن الآيات ۲۶ - ۲۸ من سورة الجنّ أنّ اللَّه عالم بالغيب ولا يخبر به أحداً إلّا من أرتضى مِن رسول، وقد أوكل اللَّه حفظه إلى أنبيائه كي يبلّغوا رسالاته، وأنّه أحاط بما عندهم وأحصى كلّ شي‏ء عدداً:
«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ‏يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَ أَحْصَى‏ كُلَّ شَىْ‏ءٍ عَدَدَاً ».

واستناداً إلى هذه الآيات فإنّ الملائكة الحافظين تحيط بالنبيّ ورسالته، وحريصة على عدم نقصان شي‏ء منه أو زيادة شي‏ء من خارجه. وهكذا فالقرآن خاضع للإشراف والرقابة الإلهية في كلّ الأعصار من مرحلة التلقّي حتّى الإبلاغ لكلّ الناس، واحتمال نفوذ التحريف فيه يستلزم أن تكون هذه الرقابة قد حدثت بنحو ناقص أو تحقّقت خارج نطاق العلم الإلهي، وهذا الفرض محال على اللَّه.۲

1.الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۷ ص ۳۹۸ - ۳۹۹.

2.نزاهت قرآن از تحريف، ص ۷۲ - ۷۳.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27850
صفحه از 616
پرینت  ارسال به