215
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الثانية: آية نفي الباطل‏

من جملة الآيات التي تدلّ بوضوح على عدم نفوذ أيّ نوع من التدخّل والتصرّف في القرآن: آية نفي الباطل‏۱:
«وَ إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ».۲

وفيما يلي إيضاح دلالة هذه الآية على هذا الادّعاء:

۱. تدلّ هذه الآية - استناداً إلى سياق الآيات قبلها التي تطرح سعي الكافرين لمواجهة القرآن - على عدم نفوذ الباطل فيه.۳

وتؤكّد آية نفي الباطل - المنسجمة مع مثل هذا السياق - ثبات القرآن وعدم إمكانية نفوذ الباطل فيه. ونفي نفوذ الباطل في القرآن ينفي كلّ الأنواع الدائرة مدار الباطل، مع الأخذ بنظر الاعتبارأنّ سعة الباطل في المعنى، وتناقض القرآن مع المعطيات العلمية ونفوذ أنواع التحريف فيه، تعدّ من جملة مصاديق الباطل.

ولأنّ هذه الآية هي في مقام الإخبار، وتخلّف الإخبار الإلهي محال، فإنّ من الواجب الإذعان لعدم إمكانية نفوذ أيّ نوع من التدخّل والتصرّف في القرآن.

۲. القسم الأول؛ أي «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ » الذي يطلق على الأشياء الحاضرة، يراد منه عهد الرسالة ومرحلة نزول القرآن، وقسمها الثاني؛ أي «وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ » يشير إلى مرحلة ما بعد النزول التي تمتدّ من زمان وفاة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه و آله وحتّى القيامة.

۳. استخدمت الآية البرهانين اللمّي والإنّي لنفي التحريف؛ وذلك بأن ذُكر القرآن في الفقرة الأخيرة من الآية السابقة باعتباره «الكتاب العزيز»: «وَ إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ». والعزيز مأخوذ من قولهم «الأرض العَزاز» أي الأرض غير القابلة للنفوذ، ومعنى

1.البيان: ص ۲۱۰ - ۲۱۱؛ صيانة القرآن من التحريف: ص ۴۸ - ۵۰؛ سلامة القرآن من التحريف: ص ۲۷ - ۳۳.

2.فصلت: ۴۱ - ۴۲.

3.التبيان في تفسير القرآن: ج ۹ ص ۱۳۱.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
214

هذا الدليل في المسألة موضوع البحث، وعلى العكس من ذلك، فإنّ هنالك أدلّة عديدة - جاء أهمّها في هذا البحث - تُثبت خلاف ذلك.

۲. التحريف الذي اُشير إليه في هذه الشبهة والذي ادّعي تحقّق حفظ القرآن مع ووجوده بل أنّه يؤدّي إلي حفظ القرآن، لا يخرج عن حالتين: فإمّا أنّه قد أنقص معنى من القرآن، وفي هذه الحالة لم يتحقّق الحفظ دون شكّ، وهو خلاف فرضه؛ أو أنّه لم يزل أي معنى، وفي هذه الحالة لا يمكن أن نجد دافعاً إلى مثل هذا التحريف. وقد سبقت الإشارة إلى أنّ المحرّف يعمد إلى التغيير عمداً وبهدف إخفاء قصد المتكلّم وإحلال قصده هو نفسه، وهذا النوع من التحريف - الذي لا يؤدّي إلى التغيير في مقاصد القرآن ومعانيه - لم يكن أساساً محطّ اهتمام أهل التحريف، وحتّى إذا حدث تغيير طفيف فإنّه لا يتنافى مع الاُصول المحورية للقرآن، رغم أنّ الدليل المعتبر قائم على نفيه.۱

۳. إنّ احتمال التحريف من نوع النقصان في بعض آيات القرآن لا يُخلّ بحجّية الآيات فحسب، بل يخلق الإشكالاً في أصل استنادها إلى اللَّه، والأخذ باستنادها إلى اللَّه على سبيل الجزم لا يكون ممكناً إلّا إذا تمّ إدراك كون القرآن معجزة، وإنّ إعجاز القرآن لا يثبت إلّا إذا كانت كلّ آياته موجودة؛ كي تقيَّم ويتّضح عدم اختلافها مع بعضها وتحدّي القرآن في الانسجام والتماسك بين كلّ آياته وسوره هو من أبرز التحدّيات القرآنية: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا »۲ . و بفقدان بعض الآيات لا يمكن العلم - على سبيل الجزم - بالانسجام و عدم الاختلاف بينها ، و حينئذٍ سوف يتوجّه الشكّ إلي وحيانية هذا الكتاب.۳

1.نزاهت قرآن از تحريف: ص ۸۳.

2.النساء: ۸۲.

3.نزاهت قرآن از تحريف: ص ۹۶ - ۹۷.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27543
صفحه از 616
پرینت  ارسال به