213
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

حفظ القرآن وصيانته، ويبطل بقدرته اللانهائية كلّ المساعي لمواجهة القرآن.

الخامس: ورد تأكيد الحفظ بنحو مطلق، في هذه الآية وبعبارة أوضح: إنّ حفظ القرآن لم يقيّد في الفقرة «إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » بنحو وحالة خاصة، أي لم يقل على سبيل المثال: إن اللَّه يحفظ القرآن من التحريف من نوع النقصان أو الزيادة والتحدّي، أو ورود التناقض إثر ظهور الانجازات العلمية، بل جاء هذا الأمر بنحو مطلق. ومفهوم مثل هذه السعة في التعبير الشمول لكلّ الحالات. والنتيجة: أن اللَّه سوف يحفظ القرآن من أيّ ضرر حدث أو من الممكن أن يحدث في المستقبل.۱

شبهة على دلالة آية الحفظ

رغم أنّ آية الحفظ تدلّ بوضوح على عدم إمكان تحريف القرآن، إلّا أنّ هناك شبهات مطروحة عليها أجاب عنها المتخصّصون في علوم القرآن‏۲، كشبهة أنّ المراد من «الذكر» في آية الحفظ القرآن الكريم، ولكنّ المراد من «الحفظ» ليس واضحاً ولا يشمل حفظ القرآن من كلّ أنواع التحريف، ويمكن القول: إنّ الحفظ يتحقّق بتحقّق نوع من التحريف أيضاً، والجمع بينهما ممكن، بل يمكن الادّعاء أنّ هذا النوع من التحريف يؤدّي بحدّ ذاته إلى حفظ القرآن.

الردّ على الشبهة

۱. المراد من (الحفظ) في الآية واضح؛ لأنّ هذه الكلمة جاءت بشكل مطلق لا مبهم؛ ولذلك فإنّها تشمل الحفظ من كلّ نوع من التحريف في كلّ عصر۳. واستثناء نوع من التحريف هنا يعني تقييد المطلق، وهو يتطلّب دليلاً معتبراً، ولا يوجد مثل

1.الأمثل: ج ۸ ص ۱۹ - ۲۰.

2.للنموذج ، راجع: نزاهت قرآن از تحريف: ص ۵۳.

3.راجع: تفسير الطبري: ج ۱۴ ص ۷؛ التبيان في تفسير القرآن: ج ۶ ص ۳۲۰؛ مجمع البيان: ج ۶ ص ۵۰۹.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
212

الثاني: جاء تأكيد صيانة القرآن في هذه الأية باستخدام أداة التأكيد۱. وأدوات التأكيد هنا:

- «إنّ» التي استخدمت مرتين في هذه الآية.

- استخدام ضمير الفصل «نحن» في الفقرة الأولى من الآية: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ».

- «اللام» في «لَحَافِظُونَ ».

- تقديم شبه الجملة «له» على «لحافظون» في الفقرة الثانية: «إِنَّا لَهُ‏لَحَافِظُونَ »، في حين أنّها يجب أن تأتي بعدها على أساس كونها مفعولاً به، ومثل هذا التقديم يدلّ بحدّ ذاته على نوع من الاختصاص والتأكيد.

الثالث: استخدمت في هذه الآية صيغة الجمع بدلاً من صيغة المفرد، حيث تدلّ على الإرادة الحتمية والمقترنة بالقدرة في تحقّق وعد الحفظ والصيانة للقرآن‏۲. ويذكر الزمخشري أنّ ضمائر الجمع استُخدمت عندما يكون المقام مقام قدرة اللَّه وعظمته وإظهار هيمنته‏۳، وكأنّ اللَّه يريد أن يُعلن أنّه يوظّف كلّ قدرته وجنوده لتحقيق هدفه (حفظه القرآن وصيانته).

الرابع: هنالك علاقة منطقية لا تقبل الانفصام بين قسمي الآية فقد ورد التأكيد على نزول القرآن من قبل اللَّه، في الفقرة الاُولي، حيث يجب اعتباره نوعاً من التقديم وإقامة البرهان للفقرة الثانية إذ ذكر فيه الادّعاء أي: حفظ القرآن من جانب اللَّه، وكأنّه قال: نحن نحفظ القرآن؛ لأنّه نزل من مصدر العلم والحكمة والقدرة الإلهية، فاللَّه سبحانه وتعالي وبإحاطته العلمية يعلم بجميع الجهود الرامية إلى التدخّل في القرآن والتصرّف فيه ومواجهته، وهو يرى بحكمته أنّ المصلحة في

1.روح المعاني: ج ۱۴ ص ۱۶ و ج ۱۷ ص ۱۸۲.

2.أضواء البيان: ج ۷ ص ۲۸۸.

3.الكشّاف: ج ۲ ص ۳۹۰.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27385
صفحه از 616
پرینت  ارسال به