187
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

والكثير الآخر من السور، تأييداً لهذا الادّعاء.۱

الرأي النهائي‏

يمكننا أن نلحق بعض القائلين بالرأي الثاني (اجتهادية ترتيب السور) مثل العلّامة الطباطبائي وآية اللَّه معرفت بالمجموعة الثالثة؛ لأنّهم يؤيّدون ترتيب الكثير من السور بمفهومه المطلق، ويرون أنّ الشواهد التاريخية وحدها عاجزة عن إثبات ترتيب كلّ السور بمفهومه المطلق، ولكن بإمكانها إثبات ترتيب معظم السور، وهو القول الذي يمكن الأخذ به.

المسألة الثالثة: كيفية ترتيب الآيات‏

لا يتّفق الباحثون التاريخيون على رأي واحد بشأن الترتيب والنظام الحاليّين لآليات وفواتحها وخواتيمها في داخل سور،ويراهما الكثيرون أنّهما كانا بأمرٍ من رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله وإعلان منه؛ وعلى هذا الأساس فنظام الآيات «توقيفي» على ما يُصطلح عليه. بل ادّعى بعضُهم الإجماع على ذلك‏۲، واعتبروه ممّا لا يرقى إليه الشكّ‏۳. وقد استند هذا الفريق من الباحثين القرآنيين إلى الأدلّة التالية:

۱. الروايات التي كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله يتلو على أساسها بعضَ سور القرآن بالترتيب الحالي في الصلاة وغيرها.۴

۲. الروايات التي كان رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله يُعلن على أساسها بعض الآيات باعتبارها أوّل آيات السور أو آخرها.۵

1.البرهان في تناسب سور القرآن، ص ۷۳ - ۷۸ وراجع: البرهان في علوم القرآن: ج ۱ ص ۲۵۷.

2.فتح الباري: ج ۹ ص ۳۷؛ الإتقان في علوم القرآن: ج ۱ ص ۱۶۱؛ روح المعاني: ج ۱ ص ۴۷؛ مباحث في علوم القرآن: ص ۷۱.

3.المحرر الوجيز: ج ۱ ص ۵۰؛ التحرير والتنوير: ج ۱ ص ۸۵؛ روح المعاني: ج ۱ ص ۴۷.

4.مباحث في علوم القرآن: ص ۷۱.

5.الإتقان في علوم القرآن: ج ۱ ص ۱۶۲؛ بحوث في تاريخ القرآن وعلومه: ص ۱۰۳.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
186

ودليل هذا الفريق: أنّ معظم أدلّة القول الأوّل - أي توقيفية ترتيب القرآن كلّه - لا تُثبت إلّا ترتيب سور مثل السبع الطوال والمئين والمفصّلات وغيرها ممّا ذُكر في الروايات التاريخية، ورغم أنّها تضمّ غالبية سور القرآن، إلا أنّه لا تبقى سوى سور معدودة لا يمكن نسبة ترتيبها إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله بثقة واطمئنان. وعلى سبيل المثال: جاء في إحدى الروايات أنّ ابن عباس سأل عثمان: لماذا جاء بسورة الأنفال التي هي من المثاني، مع سورة التوبة التي هي من المئين، ولم يفصل بينهما بالبسملة، وجعلهما على إثر هذا الجمع في السبع الطوال؟ فأجاب عثمان قائلاً: لأنّ شيئاً لم يكن قد وصلنا من رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله عن سورة التوبة التي هي من آخر السور النازلة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله وقصّة، كلتا السورتين متشابهة؛ ولذلك جعلتهما إلى جانب بعضهما (وأصبحتا من السور الطوال).

وأما الباقلاني فقد شكّك في مضمون هذه الرواية واحتمل حدوث نقصان أو زيادة في نقلها۱. وهذا الشكّ وارد جدّاً نظراً إلى نزول سورة الأنفال في بداية الهجرة وعند معركة بدر ۲، ووجود راوٍ ضعيف باسم يزيد الفارسي في سند هذه الرواية۳. ويعتبر بعض الذين رأوا توقيفية جمع معظم السور لا كلّها - مثل أبي جعفر بن الزبير (ت ۷۰۸ق) - القول باجتهادية ترتيب السور متّفقاً مع قولهم؛ لأنّ القائلين بالترتيب الاجتهادي يعزونه إلى بعض السور لا كلّها، كما يعتبرون إشارات النبي صلى اللّه عليه و آله مصدر اجتهاد الصحابة. وعلى سبيل المثال: فالمالكي والزركشي أيضاً (في أحد رأييه) يعتبران التأليف الاجتهادي للقرآن على أساس الإشارات التي كان الصحابة قد سمعوها من النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ويعدّان العلاقة القائمة بين سور الأنفال وبراءة، والطلاق والتحريم، والتكوير والانفطار، والضحى وألم نشرح، والفيل وقريش، والمعوّذتين،

1.الانتصار للقرآن: ج ۱ ص ۲۸۲.

2.التحرير والتنوير: ج ۹ ص ۶.

3.مناهل العرفان: ج ۱ ص ۳۶۰- ۳۶۱.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27803
صفحه از 616
پرینت  ارسال به