183
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

نقد الشاهد السادس‏

يمكن الإذعان بأنّ الإمام عليّاً عليه السلام بادر إلى جمع القرآن عملاً بوصيّة النبيّ صلى اللّه عليه و آله التحذيرية له بشأن الحيلولة دون ضياعه، إلّا أنّ محتوى بعض هذه الروايات ذكر أنّ هذا التدوين استمرّ ثلاثة أيّام‏۱ أو سبعة۲، وهو ما يمكن أن يعني الجمع والترتيب، أو أنّه بدأ من عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله وانتهى بُعيد وفاته. وبعبارة اُخرى: إنّ ترتيب السور والآيات كان محدّداً ولم يتمّ سوى الترتيب النهائي في هذه المدّة القصيرة.

وجدير بالذكر أنّ رواية اُخرى اعتبرت هذه المدّة ستّة أشهر۳، وفي هذه الحالة نقول: إن الأخذ بهذه الروايات لا ينفي إمكانية وجود تدوين آخر للقرآن، فنحن نعلم أنّ الإمام عليّاً عليه السلام لم يكن الكاتب الوحيد للوحي، وأنّ أشخاصاً وكتّاباً آخرين - مثل: اُبيّ بن كعب وعبداللَّه بن مسعود - جمعوا أيضاً بعض المصاحف رغم أنّها لم تبلغ كمال مصحف الإمام عليّ عليه السلام وترتيبه؛ لأنّ مصحف عليّ عليه السلام كان يضمّ - أضافة إلى نصّ القرآن - التفسير والتأويل وإيضاح الأحكام وبيان الناسخ والمنسوخ وسبب النزول وذكر أسماء الأشخاص الذين نزلت الآيات في شأنهم.۴

وفضلاً عن ذلك فلو لم يكن تدوين الإمام عليّ عليه السلام الترتيب الوحيد الموجود لأبلغ المسلمين به بشكلٍ ما على الأرجح؛ لأنّ الخوف من تحريف القرآن سيكون

1.تفسير فرات: ص ۳۹۹؛ (يا علي، لا تخرج ثلاثة أيام حتى تؤلف كتاب اللَّه كي لا يزيد فيه الشيطان شيئاً ولا ينقص منه شيئاً، فإنك في ضد سنة وصي سليمان عليه الصلاة والسلام»، فلم يضع عليّ عليه السلام رداءه على ظهره حتى جمع القرآن فلم يزد فيه الشيطان شيئاً ولم ينقص منه شيئاً.

2.إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله و ذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه.

3.المناقب لابن شهرآشوب: ج‏۱ ص ۳۱۹: قال ابن عباس: «فجمع اللَّه القرآن في قلب علي، وجمعه علي بعد موت رسول اللَّه بستة أشهر». وفي أخبار ابن أبي رافع أن النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: «يا علي، هذا كتاب اللَّه خذه إليك، فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي صلى اللّه عليه و آله جلس علي عليه السلام فألفه كما أنزله اللَّه وكان به عالماً».

4.راجع: التمهيد: ج ۱ ص ۲۸۷ - ۲۹۵؛ حقائق هامة: ص ۱۵۳ - ۱۷۲؛ روح المعاني: ج ۱ ص ۴۱.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
182

الكاملة لترتيبها مع مرجع خاص؛ ولذلك فإنّ اختلافها أمر طبيعي ومقبول، ولكنّ تماثل ترتيب الكثير من السور فيها؛ كترتيب السور الطوال والمئين، يدلّ على الترتيب التوقيفي والاتّفاقي لمعظم السور لا كلّها۱، كما أنّ الاختلافات المروية عن مصحف الإمام عليّ عليه السلام تدلّ في الحقيقة على أسلوبي تأليف القرآن على أساس النزول وعلى أساس الترتيب الحالي، وليس بمعنى الاضطراب والفوضى.

وأخيراً فإنّ الكثير مما يُذكر تحت عنوان اختلاف المصاحف يعود إلى رسم الخطّ أو القراءة، لا إلى ترتيب السور.۲

الشاهد السادس: مصحف الإمام عليّ عليه السلام

تفيد روايات الشيعة وبعض أهل السنّة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جمع القرآن بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، وأنّ ترتيبه لا يشبه الترتيب الحالي، بل يقال: إنّه كان حسب النزول‏۳؛ وبناءً على ذلك فتدوين القرآن لم يتمّ في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، والترتيب الحالي لا حجّية له‏۴. وفضلاً عن ذلك فرواية الصدوق المبيّنة للفضائل الخاصّة بأمير المؤمنين عليه السلام تدلّ على أنّه هو الجامع الوحيد للقرآن بين الصحابة، حيث قال:
وأمّا الخامسة والخمسون ، فإنَّ رَسولَ اللَّهِ قالَ لي : «سَيَفتَتِنُ فيكَ طَوائِفُ مِن اُمَّتي فَيَقولونَ : إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله لَم يُخَلِّف شَيئاً ، فَبِماذا أوصى‏ عَلِيّاً؟ أوَ لَيسَ كِتابُ رَبّي أفضَلَ الأَشياءِ بَعدَ اللَّهِ عزّ و جلّ ؟! وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ لَئِن لَم تَجمَعهُ بِإِتقانٍ لَم يُجمَع أبَداً » ، فَخَصَّنِيَ اللَّهُ عزّ وجلّ بِذلِكَ مِن دونِ الصَّحابَةِ .۵

1.راجع: نصوص في علوم القرآن: ج ۵ ص ۴ (الفصل الرابع: وصف عام عن مصاحف الصحابه).

2.راجع: نصوص في علوم القرآن: ج ۵ ص ۷۵ و۸۴ (الفصل الخامس والسادس).

3.المصنف لابن أبي شيبه: ج ۷ ص ۱۹۷؛ بحار الأنوار: ج ۲۳ ص ۲۴۹؛ تدوين القرآن: ص ۳۴۴ يختلف قرآن ابن مسعود عن القرآن العثماني في التدوين. حيث كان يبدأ بسورة الفاتحة ثم النساء وبعد ذلك سورة آل عمران، كما أنه لم يكن حسب ترتيب النزول، ويقال: إن مصحف الإمام علي عليه السلام كان حسب ترتيب نزول السور: كان يبدأ بسورة العلق ثم المدّثر والمزمل والمسد والتكوير وهكذا حتى آخر السور المكية، ثم السور المدنية.

4.شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج‏۱، ص‏۲۷؛ بحار الأنوار: ج‏۴۱ ص‏۱۴۹؛ علوم القرآن حكيم: ص‏۱۱۴- ۱۱۵.

5.راجع: ص ۱۶۲ ح ۲۲۲.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27541
صفحه از 616
پرینت  ارسال به