نقد الشاهد السادس
يمكن الإذعان بأنّ الإمام عليّاً عليه السلام بادر إلى جمع القرآن عملاً بوصيّة النبيّ صلى اللّه عليه و آله التحذيرية له بشأن الحيلولة دون ضياعه، إلّا أنّ محتوى بعض هذه الروايات ذكر أنّ هذا التدوين استمرّ ثلاثة أيّام۱ أو سبعة۲، وهو ما يمكن أن يعني الجمع والترتيب، أو أنّه بدأ من عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله وانتهى بُعيد وفاته. وبعبارة اُخرى: إنّ ترتيب السور والآيات كان محدّداً ولم يتمّ سوى الترتيب النهائي في هذه المدّة القصيرة.
وجدير بالذكر أنّ رواية اُخرى اعتبرت هذه المدّة ستّة أشهر۳، وفي هذه الحالة نقول: إن الأخذ بهذه الروايات لا ينفي إمكانية وجود تدوين آخر للقرآن، فنحن نعلم أنّ الإمام عليّاً عليه السلام لم يكن الكاتب الوحيد للوحي، وأنّ أشخاصاً وكتّاباً آخرين - مثل: اُبيّ بن كعب وعبداللَّه بن مسعود - جمعوا أيضاً بعض المصاحف رغم أنّها لم تبلغ كمال مصحف الإمام عليّ عليه السلام وترتيبه؛ لأنّ مصحف عليّ عليه السلام كان يضمّ - أضافة إلى نصّ القرآن - التفسير والتأويل وإيضاح الأحكام وبيان الناسخ والمنسوخ وسبب النزول وذكر أسماء الأشخاص الذين نزلت الآيات في شأنهم.۴
وفضلاً عن ذلك فلو لم يكن تدوين الإمام عليّ عليه السلام الترتيب الوحيد الموجود لأبلغ المسلمين به بشكلٍ ما على الأرجح؛ لأنّ الخوف من تحريف القرآن سيكون
1.تفسير فرات: ص ۳۹۹؛ (يا علي، لا تخرج ثلاثة أيام حتى تؤلف كتاب اللَّه كي لا يزيد فيه الشيطان شيئاً ولا ينقص منه شيئاً، فإنك في ضد سنة وصي سليمان عليه الصلاة والسلام»، فلم يضع عليّ عليه السلام رداءه على ظهره حتى جمع القرآن فلم يزد فيه الشيطان شيئاً ولم ينقص منه شيئاً.
2.إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله و ذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه.
3.المناقب لابن شهرآشوب: ج۱ ص ۳۱۹: قال ابن عباس: «فجمع اللَّه القرآن في قلب علي، وجمعه علي بعد موت رسول اللَّه بستة أشهر». وفي أخبار ابن أبي رافع أن النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: «يا علي، هذا كتاب اللَّه خذه إليك، فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي صلى اللّه عليه و آله جلس علي عليه السلام فألفه كما أنزله اللَّه وكان به عالماً».
4.راجع: التمهيد: ج ۱ ص ۲۸۷ - ۲۹۵؛ حقائق هامة: ص ۱۵۳ - ۱۷۲؛ روح المعاني: ج ۱ ص ۴۱.