171
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الإمام الصادق عليه السلام تُظهر بوضوح أنّ بداية كلّ سورة ونهايتها تحدَّدان عن طريق النزول المكرّر ل «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وهذا هو نصّ الحديث نقلاً عن تفسير العياشي:
وإِنَّما كانَ يُعرَفُ اِنقِضاءُ السُّورَةِ بِنُزُولِ «بِسْمِ اللَّهِ»، اِبتِداءً لِلأُخرى .۱

ويتعزّز هذا المعنى بما يُروى عن ابن عبّاس.۲

۲. قراءة النبيّ صلى اللّه عليه و آله للسور المختلفة في الصلاة وغيرها كما نقلت في روايات عديدة وبنفس الأسماء الحالية للسور، تدلّ على وجود هذه السور في ذلك العهد. تقول لرحدى الروايات إن النبي صلى اللّه عليه و آله تلا سورة النجم في مكة على المشركين وسجد في نهايتها وهو ما ينطبق بشكل دقيق على الوضع الحالي للسورة.۳

۳. الدليل الثالث هو الأمر الإلهي بوضع آية في موضع معين من السورة. ويعتقد الشيخ الطوسي في التبيان أنّ الآية ۲۸۰ من سورة البقرة هي على هذه الشاكلة۴، ويذكر السيوطي في الإتقان نقلاً عن عثمان بن أبي العاص:
كُنتُ جالِساً عِندَ رَسولِ اللَّه صلى اللّه عليه و آله إذ شَخَصَ بِبَصَرِهِ، ثُمَّ صَوَّبَهُ، ثُمَّ قالَ: أَتانِى جَبرَئيلَ، فَأَمَرَنى أن أضَعُ هَذِهِ الآيَةَ هَذا المُوضِع من هذِهِ السُّورَةِ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَنِ وَ إِيتَآىِ ذِى الْقُرْبَى‏ ...»۵. ۶

كما توجد روايات مشابهة اُخرى يفهم من مجموعها بشكل إجمالي - بالرغم من بعض إشكالاتها السندية - أنّ مفهوم السورة وقراءة مجموعة من الآيات المعيّنة كان أمراً متعارَفاً ومعهوداً. وفي الحقيقة فقد كان مفهوم السورة في القرآن - وعلى الأقلّ قبل نزول الآيات المشتملة على لفظ «السورة» - واضحاً ومستخدَماً كاستعماله

1.تفسير العياشي: ج ۱ ص ۱۹.

2.سنن أبي داود: ج ۱ ص ۱۸۳؛ السنن الكبرى: ج ۲ ص ۴۲؛ تاريخ اليعقوبي: ص ۳۴.

3.راجع: الإتقان في علوم القرآن: ج ۱ ص ۱۶۸؛ مسند ابن حنبل: ج ۶ ص ۹۲؛ سنن النسائي: ج ۲ ص ۱۷۷.

4.التبيان في تفسير القرآن: ج ۲ ص ۳۶۹.

5.النحل: ۹۰.

6.الإتقان في علوم القرآن: ج ۱ ص ۱۶۸.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
170

المقنع في رسم مصاحف الأمصار.۱

وفضلاً عن مقدّمات التفاسير، فإنّ بحث جمع القرآن له مكانة خاصّة في مصادر علوم القرآن أيضاً، بل إنّ بعض المعاصرين اتّجهوا في هذا المجال إلى تأليفات مستقلّة. وفي القرون الأخيرة، كان موضوع جمع القرآن من أهمّ المباحث التي حظيت باهتمام المستشرقين، فتناول المستشرق الألماني ثيودور نولدكه بحوثَ جمع القرآن لأوّل مرّة في الفصل الثاني من كتابه تاريخ القرآن.۲

ثم درس روجيه بلاشير مباحث جمع القرآن في قسم من مقدمة ترجمته للقرآن.

واستمرّ هذا الاتّجاه حتّى ألّف جان بيرتون، في دراساته الأخيرة كتاباً مستقلاًّ في موضوع جمع القرآن بعنوان جمع القرآن وتدوينه.

ويبدو أنّ جهود المستشرقين هذه تواصلت بهدف إضعاف مكانة القرآن السامية وإثبات عدم انسجام القرآن الحاضر مع القرآن في عهد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ومن ثمّ الإيحاء بشبهة التحريف، في حين أنّ موضوع جمع القرآن يمثّل قضية مختلفة تماماً عن موضوع تحريفه وتتّفق الآراء المختلفة في موضوع جمع القرآن مع صيانته من التحريف بل إنّ توقيفية ترتيب القرآن أو اجتهاديته ليس لهما دور مؤثّر في فهم القرآن وتفسيره؛ ولذلك شكّك عدد من المفسرين في توقيفية ترتيب الآيات والسور مع التأكيد على حفظ القرآن من أيّ نوع من التحريف.۳

المسألة الاُولى: كيفية تكوّن السور

يجدر الالتفات إلى الملاحظات التالية بشأن كيفية تكوّن السور وهويّتها المستقلّة:

۱. ذكر القرآن بعض أجزائه بكلمة «السورة»، ولا شكّ في أنّها كانت ذات معنى ومفهوم واضح بالنسبة إلى مخاطبيه المعاصرين له، كما أنّ رواية صفوان الجمّال عن

1.المقنع في رسم مصاحف الأمصار: ص ۲ - ۹.

2.راجع: تاريخ قرآن، نولدكه: ص ۲۳۶ - ۴۳۳.

3.الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۲ ص ۱۰۸، ۱۲۱، ۱۲۶ - ۱۲۹.

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27557
صفحه از 616
پرینت  ارسال به