147
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

الاختلاف في النصّ.

۴. الرأي الثالث، أي تغيير فواصل الآيات، مرفوض للأسباب التالية:

أ - كلّ رأي يستلزم قبول التدخّل والتصرّف في آيات القرآن مرفوض استناداً إلى آية الحفظ.

ب - أنكر القرآن بشدّة عملية التلاعب في فواصل الآيات:
«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ‏ءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ».۱

ويذكر المفسّرون أنّ هذه الآية نزلت بشأن أحد كتّاب القرآن؛ وهو عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح، حيث كان يغيّر مواضع فواصل الآيات حين كتابتها، فعندما كان يقول له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : اكتب «عَليماً حَكيماً»، كان يكتب «غَفوراً رَحيماً»، وكان يدّعي على هذا الأساس أن بإمكانه هو نفسه أن ينزل قرآناً.۲

ج - هذا الاحتمال مرفوض من وجهة نظر الباحثين كافّة؛ لأنّه يخالف إجماع الاُمّة على منع أيّ تغيير في القرآن.۳

د - يظهر من فواصل الآيات أنّها دقيقة للغاية وتتطابق مع اُسس الآيات التي تتولّى بنحو عامّ دور إقامة البرهان على محتوياتها.۴

۵. الرأي الرابع، أي إبدال الكلمات المترادفة أو المتقاربة، مرفوض أيضاً؛ لأنّه يؤدّي إلى ضرورة قبول اتّجاه التغيير في نصوص الآيات، وقد تأكّد بطلانه سابقاً، كما يؤدّي إلي اعتبار التكافؤ الدلالي بين هذا القبيل من الكلمات أمراً مسلّماً به، في حين أنّ الكثير من الباحثين يُصرّون على أنّه من غير الممكن اعتبار المعنى والاستخدام المعنوي للكلمات المترادفة والمتقاربة سواء من جميع الجهات.

1.الأنعام: ۹۳.

2.راجع: مجمع البيان، ج ۴ ص ۱۱۱.

3.شرح مسلم، ج ۶ ص ۱۰۰.

4.راجع: سبل السلام: ج ۳ ص ۱۸۵.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
146

وعلى هذا الأساس يمكن القول: إنّ الروايات التي فسّرت نزولَ القرآن على سبعة أحرف هي في الحقيقة تسويغ صحيح لروايات «سبعة أحرف» كي تحول دون شيوع الآراء المغلوطة في هذا المجال.

۲. رجّح العلّامة الطباطبائي في تعامله مع الآراء الكثيرة التي بيّنت في تفسير أحاديث «الأحرف السبعة»، وبمساعدة بعض الروايات المذكورة، رجّح أنّ «الأحرف السبعة» تُحمل على الأقسام الدلالية السبعة التي نذكرها استناداً إلى إحدى الروايات: الأمر والزجر والترغيب والترهيب والجدل والقصص والأمثال، وهي على أساس رواية اُخرى: الزجر والأمر والحلال والحرام والمحكم والمتشابه والأمثال.۱

ويبدو أنّ هذا الرأي - على الرغم من تنافيه مع عدد من روايات الأحرف السبعة التي انعكست في مصادر أهل السنّة ويراد منها كيفية قراءة القرآن - ذو محمل مناسب على أساس روايات أهل البيت، خاصّة أنّ رواية الشيخ الصدوق حملت على التقيّة هي أيضاً.۲

۳. الظاهر من خلال التحليل المقدم عن الرأي الخامس الذي فسّر السبعة أحرف بمعنى اختلاف اللهجات، أن لا وجود لاختلاف جوهري بين هذا الرأي والرأي السادس. وعلى فرض قبول صحّة صدور روايات السبعة أحرف، يمكن اعتبار الرأي السادس استدلالاً مقبولاً لهذا القبيل من الروايات، طبعاً باختلافٍ هو أنّ من غير الصحيح اعتبار لهجاتها السبع مقتصرة على لهجات العرب المعاصرين للنزول. وبعبارة أوضح:وفقاً لما ذكرنا في دراسة أسباب نفوذ ظاهرة اختلاف القراءات يمكن الاستناد إلى روايات السبعة أحرف والقول بأنّ اللَّه رفع انحصار قراءة القرآن بقراءة العرب المعاصرين للنزول نظراً إلى عالمية القرآن وموضوعية قراءته العربية، وسمح للعالمين بتلاوته حسب لهجاتهم. ومن الواضح أن اللهجات المختلفة لا تعني أبداً

1.الميزان في تفسير القرآن: ج ۳ ص ۷۴ - ۷۵.

2.جواهر الكلام: ج ۹ ص ۲۹۵.

تعداد بازدید : 27953
صفحه از 616
پرینت  ارسال به