13
مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل

والآن فإنّ المكتوب منه وبعد نزوله على لسان الوحي، وبعد نزوله ضمن مراحل ومراتب عديدة، هو بأيدينا بدون أي زيادة أو نقيصة في حرف منه، فلا ينبغي أن يقع مهجوراً على الرغم من تعذّر إدراك الأبعاد المختلفة له والتي تتضمّن مراحل ومراتب بعيدة المنال لأمثالنا من البشر، أمّا أهل المعرفة والتحقيق فلينتفعوا منه بمقدار علمهم وقابليتهم في الفروع والمجالات المختلفة، وليوضّحوا بعض المعاني القريبة من حقيقته بألسنة مختلفة، وليغرفوا من زلال هذا البحر العظيم لمعرفة اللَّه، والموّاج بالكشف المحمّدي لينتفع به الآخرون، وليُمحصّ أهلُ الفلسفة والبرهان الرموز الخاصة بهذا الكتاب الالهي، ويكشفوا براهين الفلسفة الإلهية ويضعوها في متناول أيدي أهلها.
وليهدِ الأحرارُ ذوو الآداب القلبية والرقابة الباطنية جرعةً من (أدّبني ربي) للظمآنين إلى هذا الكوثر ليتأدّبوا بآداب اللَّه قدر المستطاع، وليُتحف المتّقون المتعطشون للهداية طلّابَ الهداية الالهية وعشّاقها ببريق من نور التقوى من مَعين «هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ»۱ الذي لا ينضب.
وأخيراً فليشمّرِ العلماءُ الأعلام عن سواعد الجدّ، ويمسكوا بأقلامهم، ويتناولوا بعداً من الأبعاد الإلهية لهذا الكتاب المقدّس، ويحقّقوا آمال عشّاق القرآن، وليقضوا أوقاتهم في الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والحربية والسلمية للقرآن.
ألا أيّتها الحوزات العلمية والجامعات انهضوا وخلّصوا القرآن من شرّ الجهّال المتنسّكين والعلماء المتهتكين الذين أغاروا ويغيرون على القرآن والإسلام عن عمد وقصد.
وأنا أقول جاداً ولست مجاملاً: إنّني آسف على انقضاء عمري في طريق الجهالة والاشتباه.
وأنتم يا أبناء الإسلام البررة أيقظوا الحوزات والجامعات للاهتمام باُمور القرآن‏

1.البقرة: ۲.


مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
12

ويشير هذا الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام إلى طبقات وبطون القرآن الدلالية:
إنَّ كِتابَ اللَّهِ عَلى‏ أربَعَةِ أشياءَ: عَلَى العِبارَةِ، وَ الإِشارَةِ، وَ اللَّطائِفِ، وَ الحَقائِقِ؛ فَالعِبارَةُ لِلعَوامِّ، وَ الإِشارَةُ لِلخَواصِّ، وَ اللَّطائِفُ لِلأَولِياءِ، وَ الحَقائِقُ لِلأَنبِياءِ .۱

وسوف نوضّح هذه المراتب من كتابنا هذا.۲

معرفة القرآن‏

تتمثّل الخطوة الاُولى على طريق التعايش مع القرآن في المعرفة الصحيحة والشاملة لهذا الكتاب الذي يمثّل إكسير السعادة والهدى. وبديهي أنّ المجتمع بشكل عام، والمراكز العلمية والبحثية بشكل خاص، لن تعمل على الانتفاع منه ما لم تتعرف هذا الكتاب الإلهي وآثاره وبركاته في المجالات الفردية والاجتماعية والمادّية والمعنوية.

وتبلغ هذه الملاحظة من الأهمّية بحيث إنّ الإمام الخميني‏قدس سره يقول بهدف لفت الأنظار إليها:
أطلب من جميع العلماء الأعلام وأبناء القرآن ألّا يغفلوا عن هذا الكتاب المقدّس الذي اُنزل «تِبْيَنًا لِّكُلِ‏ّ شَىْ‏ءٍ»۳، والصادر عن مقام الجمع الإلهي، وسطع علي قلب النور الأوّل وظهور جمع الجمع.
ذا الكتاب السماوي الالهي الذي يحتوي على جميع الأسماء والصفات والآيات البيّنات بصورة حسّية وخطّية، ونعجز عن درك منازله الغيبية، ولا يحيط بأسراره سوى الوجود الجامع المقدّس، أي «من خوطب به»۴. وببركة تلك الذات المقدّسة وبفضل تعليمه أدرك خلّص أولياء اللَّه العظام كنه ذلك، وببركة المجاهدة والرياضة القلبية استفاد خلّص أهل المعرفة بشعاع منه بقدر استعدادهم ومراتب سيرهم.

1.راجع : ج ۲ ص ۲۴۳ ح ۱۴۶۱ .

2.راجع: ج ۲ ص ۷ (القسم السادس: التفسير والتأويل) و موسوعة معارف الكتاب والسنّة: ج ۱ ص ۶۳ (مراتب معرفة القرآن).

3.إشارة إلى الآية ۸۹ من سورة النحل.

4.إشارة إلى الحديث الشريف: «إنما يعرف القرآن من خوطب به».

  • نام منبع :
    مَعرفةُ القرآنِ علی ضُوءِ الکتاب و السّنّة المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری‌شهری، با همکاری: جمعی از پژوهشگران
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 27595
صفحه از 616
پرینت  ارسال به