67
التّصحيفُ في متن الحديث

في ظلم الجهالة والاُمّية، فكان غالب أهلها أُمّيون لا يعرفون القراءة والكتابة. ۱
فلمّا بُعث نبيّنا الأكرم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله أبدى اهتماماً بالغاً بالعلم ومكافحة الجهل، واجتثاث جذوره من المجتمع بشتّى الوسائل، وممّا يبرز اهتمامه صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بالتعليم والتعلّم فداؤه أسرى بدر بتعليم أحدهم عشرة من أطفال المسلمين كما ذكر ذلك المؤرّخون، ولهذا كتب السيّد جعفر مرتضى العاملي في هذا المجال قائلاً:
... ولسوف نشير إن شاء اللّه‏ تعالى في غزوة بدر من هذا الكتاب إلى مدى الأهمّية التي أولاها الإسلام لمحو الأُمّية، حتّى لقد ورد أنّه صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله قد جعل فداء الأسير في غزوة بدر تعليم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة كما سيأتي. وقد كانت بدر أدقّ مرحلة يمرّ بها الإسلام والمسلمون في دعوتهم إلى اللّه‏، وحربهم مع المشركين. ۲
فهكذا مجتمع أُمّي لا يعرف من القراءة والكتابة شيئاً لا يحسّ بحاجة لإبداع خطّ وكتابة، بل يتطفّل على غيره من الأُمم والمجتمعات؛ فيتبع الخطّ السائد عندها، فكانوا يكتبون بالخطّ الكوفي الرائج في العراق.
ثمّ لمّا صارت الكوفة مركزاً للخلافة أيّام أمير المؤمنين عليه ‏السلام وأصبحت مركزاً للشيعة، صارت محلّاً لتدوين الحديث الشريف، باعتبارها مقرّ كثير من المحدّثين الكبار. فكُتبت المصادر الأصلية للحديث بهذا الخطّ، وهذا ما ترك أثره على الحديث ، حيث وقعت الكثير من التصحيفات بسبب نقطتي الضعف التي كانتا فيه؛ وهما:

1.ممّا يدلّ على ذلك ما في نهج البلاغة: «قالَ عَبدُ اللّه‏ِ بنُ عَبّاسِ رَضيَ اللّه‏ُ عَنهُ: دَخَلتُ عَلى أَميرِ المُؤمِنينَ عليه ‏السلام بِذي قارٍ وَهوَ يَخصِفُ نَعلَهُ، فَقالَ لي: ما قيمَةُ هَذا النَّعلِ؟ فَقُلتُ: لا قيمَةَ لَها فَقالَ عليه ‏السلام : وَاللّه‏ِ لَهيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن إِمرَتِكُم، إِلّا أَن أُقيمَ حَقّاً أَو أَدفَعَ باطِلاً. ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النّاسَ فَقالَ: إِنَّ اللّه‏َ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله وَلَيسَ أَحَدٌ مِنَ العَرَبِ يَقرَأُ كِتاباً وَلا يَدَّعي نُبوَّةً، فَساقَ النّاسَ حَتّى بَوَّأَهُم مَحَلَّتَهُم وَبَلَّغَهُم مَنجاتَهُم، فاستَقامَت قَناتُهُم وَاطمَأَنَّت صَفاتُهُم...» نهج البلاغة: الخطبة ۳۳ .

2.راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم: ج ۲ ص ۲۴.


التّصحيفُ في متن الحديث
66

۱. ما يرجع إلى الكتابة.
۲. ما يرجع إلى الناسخ.
۳. ما يرجع إلى النطق.
۴. ما يرجع إلى الطباعة والنشر في العصر الحاضر.
۵ . ما يرجع إلى قلّة ثقافة الراوي.
ولكلّ واحد من هذه المحاور تفريعات عديدة، سيوافيك توضيحها.
وقبل الدخول في مناشئ التصحيف وبيان نماذجه في الحديث، نثير سؤالاً قد يعرض للأذهان ، حاصله: إنّ بعض نماذج التصحيف التي سنستعرضها لا أثر لها على المعنى فلا جدوى في التعرّض لها.
الجواب: إنّ هدفنا من استعراض هذه الأمثلة هو بيان جذور التصحيف الطارئ على الحديث لتكون باباً لمعرفة التصحيف الطارئ على الأحاديث الأُخرى. مع أنّ الدقّة في الاستعمالين قد تنتهي بنا للفرق بينهما.

۱. ما يرجع إلى الكتابة

التصحيفات الطارئة على الحديث بسبب الكتابة يمكن إدراجها تحت أحد العناوين التالية:
۱. الخطّ المستعمل آنذاك.
۲. التشابه بين أشكال الكلمات.
۳. التشابه بين مجموع كلمتين مع كلمتين أُخريين.
۴. عدم الفواصل بين الكلمات.
وإليك فيما يلي بيانها مرفقة بالأمثلة

أ ـ الخطّ المستعمل آنذاك

إذا ما راجعنا التأريخ وجدنا أنّ مكّة في زمان الجاهلية وإبّان البعثة كانت تغوص

  • نام منبع :
    التّصحيفُ في متن الحديث
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4490
صفحه از 277
پرینت  ارسال به