245
التّصحيفُ في متن الحديث

أبحاثهم المختلفة، كاشف عن مدى اعتمادهم عليه. وعليه فلابدّ من الاعتماد على هذه النسخة وترجيحها على النسخة الأُخرى. بل إنّ ترجيح نسخة المصدر الأضعف على المصدر الأقوى هو من ترجيح المرجوح على الراجح، وعليه فلابدّ من ترجيح نسخة المصدر الأقوى مطلقاً.
۲ . إذا كان مقتضى القرائن والشواهد هو صحّة النسخة الواردة في المصدر الأضعف، فالمنهج العلمي في ترجيح إحدى النسختين على الأُخرى هو متابعة القرائن والشواهد المذكورة، لا ترجيح ما ورد في مصدر معيّن مطلقاً.
وعلى هذا، فإنّ ترجيح إحدى النسختين على الأُخرى في هذه الموارد يواجه التنافي بين المرجّحين السابقين، فما هو المنهج العلمي عندئذٍ؟
للإجابة على هذا السؤال نرى من الضروري التذكير ببعض الأُمور التي من شأنها أن تعيننا على اختيار المنهج الصحيح، فنقول وباللّه‏ الاستعانة:
۱. نحن لا نقول بصحّة كتاب من كتب الحديث بنسبة ۱۰۰% بحيث يمكننا أن ندّعي صحّة جميع ما فيه من الأحاديث، بمعنى أنّها جميعاً صادرة عن المعصومين عليهم ‏السلام بهذه النصوص المروية فيه لا غيرها، وأنّه لم يقع فيه شيء من التصحيف. بل لا أظنّ أحداً من الفضلاء ـ فضلاً عن العلماء ـ يقول بذلك.
۲. إنّ اهتمام العلماء والمحدّثين بكتاب قيّم نظير الكافي لا يعني أنّهم يؤمنون بجميع ما فيه حرفياً حتّى مع قيام القرائن الدالّة على خلافه. فإنّه ما من كتاب إلّا وفيه شيء من الخلل والنقص، سوى كتاب اللّه‏ عزّ وجلّ.
۳. إنّ تقييم الكتاب الحديثي يتمّ من خلال مقارنته وقياسه بالكتب الحديثية الأُخرى وملاحظة نقاط القوّة والضعف في كلّ منها، فكلّما ازدادت نقاط القوّة في كتاب ازدادت قيمته العلمية، وهكذا العكس. وعلى ذلك فإذا كان المصدر الحديثي من أرفع المستويات قيمة، فهو لا يعني أنّه منزّه عن كلّ العيوب، بل هو بالقياس إلى غيره من أفضل الكتب.


التّصحيفُ في متن الحديث
244

ثمّ تعرّضنا في الفصل الرابع لجملة من الأُمور التي يمكننا من خلالها الكشف عن وقوع التصحيف، وذلك أنّ الكشف عنه ليس بالمتيسّر للجميع، فلابدّ من بيان ما من شأنه الكشف عن ذلك، وقد تعرّضنا لها ضمن قسمين رئيسيين هما: الدلالات الداخلية، والدلالات الخارجية؛ وذلك أنّ القضايا التي تكشف عن وقوع التصحيف إمّا أن تكون في نفس الحديث، وإمّا في خارج الحديث، فذكرنا خمس عشرة دلالة، منها ستّ دلالات في قسم الدلالات الداخلية، وتسعاً في الدلالات الخارجية.
علماً أنّ هذا البحث من إبداعات هذا الكتاب، حيث لا نجد له نظيراً فيما كُتب في هذا المجال.
وأخيراً فقد فتحنا بحثاً جديداً وفصلاً مستقلّاً لبيان كيفية علاج التصحيف والمراحل التي تُطوى للتعرّف على النسخة الصحيحة من بين النسخ المختلفة للحديث الواحد، وبذلك فقد أحطنا بجميع الجوانب المتعلّقة بموضوع التصحيف، وقدّمناها للقارئ الكريم بمنهج علمي.

إثارة وجواب

في ختام الكتاب نرى من المناسب الإجابة على سؤال قد يُثار من قبل البعض في شأن الأُسلوب العلمي في اختيار النسخة الصحيحة من بين النسخ في بعض الحالات، فمن النقاط التي تواجهنا أثناء علاج التصحيف هي أنّ الحديث الواحد قد يُروى في مصدرين ـ أو أكثر ـ أحدهما ذا قيمة علمية رفيعة ـ نظير كتاب الكافي ـ والآخر ذا قيمة علمية أدنى ـ ككتاب تحف العقول ـ ، فإذا وقع التصحيف في مثل هذه الروايات وافترضنا أنّ التصحيف قد وقع في نسخة كتاب الكافي، ففي مقام ترجيح إحدى النسختين على الأُخرى واختيار الصحيح منهما نواجه المرجّحين التاليين:
۱ . أنّ قيمة الكتاب علمياً وأهمّيته بين علماء المذهب تقتضي ترجيح نسخته على النسخة المروية في المصدر الآخر، خاصّة إذا كان المصدر من الطراز الأوّل كالكتب الأربعة؛ فإنّ اهتمام العلماء والمحدّثين به ، وجعلهم له محوراً من محاور

  • نام منبع :
    التّصحيفُ في متن الحديث
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4368
صفحه از 277
پرینت  ارسال به