761
الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة

۲۰۷۶. تفسير القمّي ـ في قَولِهِ تَعالى : «فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ » إِلى قَولِهِ تَعالى : «ذَرنِى وَ مَن خَلَقتُ وَحِيدًا » ۱ ـ : فَإِنَّها نَزَلَت فِي الوَليدِ بنِ المُغَيرَةِ ، وَكانَ شَيخا كَبيرا مُجَرَّبا مِن دُهاةِ العَرَبِ ، وَكانَ مِنَ المُستَهزِئينَ بِرَسولِ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله ، وَكانَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله يَقعُدُ فِي الحُجرَةِ وَيَقرَأُ القُرآنَ ، فَاجتَمَعَت قُرَيشٌ إِلَى الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ ، فَقالوا : يا أَبا عَبدِ الشَّمسِ ، ما هذا الَّذي يَقولُ مُحَمَّدٌ ؟ أَشِعرٌ ، أَم كِهانَةٌ ، أَم خَطبٌ ؟
فَقالَ : دَعوني أَسمَعُ كَلامَهُ ، فَدَنا مِن رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، أَنشِدني مِن شِعرِكَ ، قالَ : ما هُوَ شِعرٌ ، وَلكنَّهُ كَلامُ اللّه‏ِ الَّذي ارتَضاهُ لِمَلائِكَتِهِ وَأَنبِيائِهِ ، فَقالَ : أُتلُ عَلَيَّ مِنهُ شَيئا . فَقَرَأَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله حم السَّجدَةَ ، فَلَمّا بَلَغَ قَولَهُ : «فَإِن أَعرَضُوا » يا مُحَمَّدُ ـ أَعني قُرَيشا ـ «فَقُل » لَهُم «أَنذَرتُكُم صَاعِقَةً مِّثلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَ ثَمُودَ » . ۲
قالَ : فَاقشَعَرَّ الوَليدُ وَقامَت كُلُّ شَعرَةٍ في رَأسِهِ وَلِحيَتِهِ ، وَمَرَّ إِلى بَيتِهِ وَلَم يَرجِع إِلى قُرَيشٍ مِن ذلِكَ . فَمَشَوا إِلى أَبي جَهلٍ فَقالوا : يا أَبا الحَكَمِ ، إِنَّ أَبا عَبدِ الشَّمسِ صَبَأَ إِلى دينِ مُحَمَّدٍ ، أما تَراهُ لَم يَرجِع إلَينا ؟
فَغَدا أبو جَهلٍ فَقالَ لَهُ : يا عَمِّ ، نَكَّستَ رُؤُوسَنا وَفَضحتَنا ، وَأَشمَتَّ بِنا عَدُوَّنا ، وَصَبَوتَ إِلى دينِ مُحَمَّدٍ ! فَقالَ : ما صَبَوتُ إِلى دينِهِ ، وَلكِنّي سَمِعتُ مِنهُ كَلاما صَعبا تَقشَعِرُّ مِنهُ الجُلودُ ! فَقالَ لَهُ أَبو جَهلٍ : أَخَطبٌ هُوَ ؟ قالَ : لا ، إِنَّ الخَطبَ كَلامٌ مُتَّصِلٌ ، وَهذا كَلامٌ مَنثُورٌ وَلا يُشبِهُ بَعضُهُ بَعضا . قالَ : أَفَشِعرٌ هُوَ ؟ قالَ : لا ، أَما إِنّي قَد سَمِعتُ أَشعارَ العَرَبِ بَسيطَها وَمَديدَها وَرَمَلَها وَرجَزَها ، وَما هُوَ بِشِعرٍ . قالَ : فَما هُوَ ؟ قالَ : دَعني أُفَكِّرُ فيهِ .
فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ قالوا : يا أَبا عَبدِ شَمسٍ ، ما تَقولُ فيما قُلناهُ ؟ قالَ : قولوا : هُوَ

1.. المدّثّر : ۸ ـ ۱۱ .

2.. فصّلت : ۱۳ .


الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
760

بِقَولٍ هُوَ سِحرٌ يُفَرِّقُ بِهِ بَينَ المَرءِ وَأَبيهِ ، وَبَينَ المَرءِ وَأَخيهِ ، وَبَينَ المَرءِ وَزَوجَتِهِ ، وَبَينَ المَرءِ وَعَشيرَتِهِ . فَتَفَرَّقوا عَنهُ بِذلِكَ ، فَجَعَلوا يَجلِسونَ بِسُبُلِ النّاسِ حينَ قَدِمُوا المَوسِمَ ، لا يَمُرُّ بِهِم أَحَدٌ إِلّا حَذَّروهُ إِيّاهُ ، وَ ذَكَروا لَهُم أَمرَهُ . فَأَنزَلَ اللّه‏ُ تَعالى فِي الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ وَفي ذلِكَ مِن قَولِهِ : «ذَرنِى وَ مَن خَلَقتُ وَحِيدًا * وَ جَعَلتُ لَهُ مَالًا مَّمدُودًا * وَ بَنِينَ شُهُودًا * وَ مَهَّدتُّ لَهُ تَمهِيدًا * ثُمَّ يَطمَعُ أَن أَزِيدَ * كَلَا إِنَّهُ كَانَ لِأَيَـتِنَا عَنِيدًا» ۱ أَي خَصيماً . ۲

۲۰۷۵. المستدرك على الصّحيحين عن ابن عبّاس : إِنَّ الوَليدَ بنَ المُغيرَةِ جاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله فَقَرَأَ عَلَيهِ القُرآنَ ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ ، فَبَلَغَ ذلِكَ أَبا جَهلٍ فَأَتاهُ ، فَقالَ : يا عَم ، إِنَّ قَومَكَ يَرَونَ أَن يَجمَعوا لَكَ مالاً . قال : لِمَ ؟ قال : لِيُعطوكَهُ ؛ فَإنَّكَ أَتَيتَ مُحَمَّدا لِتَعرِضَ لِما قِبَلَهُ . قالَ : قَد عَلِمَت قُرَيشٌ أَنّي مِن أَكثَرِها مالاً ! قالَ : فَقُل فيهِ قَولاً يَبلُغُ قَومَكَ أَنَّكَ مُنكِرٌ لَهُ أَو أنَّكَ كارِهٌ لَهُ . قالَ : وَماذا أَقولُ ؟ فَوَاللّه‏ِ ما فيكُم رَجُلٌ أَعلَمُ بِالأَشعارِ مِنّي ، وَلا أَعلَمُ بِرَجزٍ وَلا بِقَصيدَةٍ مِنّي ، وَلا بِأَشعارِ الجِنِّ ، وَاللّه‏ِ ! ما يُشبِهُ الّذي يَقولُ شَيئا مِن هذا . وَوَاللّه‏ِ ! إِنَّ لِقَولِهِ الَّذي يَقولُ حَلاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيهِ لَطَلاوَةً ، وَإنَّهُ لَمُثمِرٌ أَعلاهُ ، مُغدِقٌ ۳ أَسفَلُهُ ، وَإِنَّهُ لَيَعلو وَما يُعلى ، وَإِنَّهُ لَيَحطِمُ ما تَحتَهُ ۴ . قالَ : لايَرضى عَنكَ قَومُكَ حَتّى تَقُولَ فيهِ . قالَ فَدَعني حَتّى أُفَكِّرَ . فَلَمّا فَكَّرَ قالَ : هذا سِحرٌ يُؤثَرُ يَأثُرُهُ عَن غَيرِهِ . فَنَزَلَت «ذَرنِى وَ مَن خَلَقتُ وَحِيدًا» . ۵

1.. المدّثّر : ۱۱ ـ ۱۶ .

2.. السّيرة النبويّة لابن هشام : ج ۱ ص ۲۸۸ ، تاريخ الإسلام للذّهبي : ج ۱ ص ۱۵۵، تفسير ابن كثير : ج ۴ ص ۴۶۸ نحوه عن ابن عبّاس وكلّها نقلاً عن ابن إسحاق ، إمتاع الأسماع : ج ۴ ص ۳۴۸ ، سبل الهدى والرّشاد : ج ۲ ص ۳۵۴ .

3.. المُغدِق : من الغَدقِ وهو الماء الكثير ـ إشارة لكثرة الخير ـ (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۱۳۰۶ «غدق») .

4.. في المصدر : «فاتحته» ، والصواب ما أثبتناه كما في المصادر الاُخرى .

5.. المستدرك على الصّحيحين : ج ۲ ص ۵۵۰ ح ۳۸۷۲ ، تفسير الطبري : ج ۱۴ الجزء ۲۹ ص ۱۵۶ ، أسباب النّزول : ص ۴۶۸ ح ۸۴۲ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج ۱ ص ۱۵۴ ، تفسير ابن كثير : ج ۸ ص ۲۹۲ .

  • نام منبع :
    الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ السّيّد رسول الموسوي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10950
صفحه از 904
پرینت  ارسال به