53
الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة

۳ . باطن العالم

يتمثّل الرأي الثالث في أنّ الجنّة والنار مادّيتان ، ولهما حقيقة مستقلّة عن وجود الإنسان ، ولهما الآن وجود خارجيّ ، كما أنّ مكانهما في نفس هذا العالم، وهما بسعة السماوات والأرض ، إلّا أنّهما لا تمكن رؤيتهما بالعين الظاهرة، وهذا هو نصّ هذا الرأي :
الجنّة والنار كلتاهما في داخل هذا العالم وباطنه إلّا أنّ حجب عالم الدنيا تحول دون مشاهدتهما، ولكنّ أولياء اللّه‏ بإمكانهم رؤيتها، وقد استطاع نبيّ الإسلام صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله عند معراجه حيث كان بعيدا عن ضجيج أهل الدنيا، أن يرى بعينه الملكوتية جانبا من الجنّة في العالم العلوي ، بل إنّ أولياء اللّه‏ يمكنهم أيضا رؤيتها بين الحين والآخر على الأرض في حالة الجذبات المعنوية الخاصة!
وقد تشير الآية «وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُ بِالْكَـفِرِينَ» ، ۱ وكذلك الآية «إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ» ، ۲ وأيضا «كَلَا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينَ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ» ۳ إلى هذا المعنى نفسه .
ويمكن من جهة تشبيه وجود الجنّة في باطن هذا العالم بوجود ماء الورد في الورد، صحيح أنّ كلّاً من ماء الورد والورد مادّيان، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون أحدهما كامنا في الآخر ولا تمكن رؤيته بأيّ عين.
وهناك تشبيه آخر لتقريب هذا الموضوع من الذهن، وقد أشرنا إليه فيما سبق وهو :
يوجد في عالم المادّة هذا الكثير من الأشياء لا يمكننا إدراكها والإحساس بها في الظروف العادية، ويوجد الكثير منها في الباطن المادّي لهذا العالم، وعلى سبيل المثال‏فإنّ أمواجا عديدة من محطّات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني تنتشر في

1.العنكبوت: ۵۴ .

2.الانفطار : ۱۳ و ۱۴ .

3.التكاثر : ۵ و ۶ .


الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
52

بل جميع مملكته ومماليكه وخدمه وحشمه وبساتينه وأشجاره وحوره وغلمانه كلّها قائمة به، وهو حافظها و منشئها بإذن اللّه‏ تعالى وقوّته، ووجود الأشياء الاُخروية وإن كانت تشبه الصور الّتي يراها الإنسان في المنام أو في ۱ بعض المرايا لكن يفارقها بالذات والحقيقة .
أمّا وجه المشابهة فهو إنّ كلّاً منها بحيث لا يكون في موضوعات الهيولى ولا في الأمكنة والجهات لهذه المواد، وأن لا تزاحم بين أعداد الصور لكلّ منهما ، وإنّ شيئا منهما لا يزاحم لشيء من هذا العالم في مكانه أو زمانه، فإنّ النائم ربما يرى أفلاكا عظيمة وصحارى واسعة ومفاوز نائية مثل الّذي يراه في يقظة هذا العالم، وهي مع كونها مغايرة لما في الخارج بالعدد لكن لا تزاحم ولا تضايق بينها، فكذلك ما يراه الإنسان بعد الموت وفي القبر لا تزاحم ولا تضايق بينه وبين هذه الأجسام؛ فالميّت يرى في قبره ما لا يسع فيه لو كان من أجرام هذا العالم. وأمّا وجه المباينة فهو إن نشأة الآخرة والصور الواقعة فيها قويّة الجوهر ، شديدة الوجود ، عظيمة التأثير إلذاذا وإيلاما، وهي أقوى وأشدّ وآكد وأقوى من موجودات هذا العالم ، فكيف من الصور المناميّة والمرآتيّة ، ونسبة النشأة الآخرة إلى الدنيا كنسبة الانتباه إلى نشأة النوم ؛ كما في قوله [عليٍّ] عليه ‏السلام : «النّاسُ نِيامٌ فَإِذا ماتُوا انتَبَهوا» ۲ ، وقد سبقت الإشارة إلى كيفية وجود الصور الاُخروية في عدّة مواضع من هذا الكتاب . ۳
وهذا الرأي يخالف ظواهر كلّ الآيات والروايات الدالّة على المعاد الجسماني والثواب والعقاب المادّيين .

1.سيما على طريقة الشيخ الإشراقي صورة المرآة من موجودات عالم المثال ، والصورة الاُخروية تشبه صورة المرآة بشرط أن تكون قائمة بذاتها لا بالمرآة، وأن تكون متعلّقة للروح حيّة لا شبحا بلا روح ـ س ر ه (هامش المصدر) .

2.خصائص الأئمّة : ص ۱۱۲ ، عوالي اللآلي : ج ۴ ص ۷۳ ح ۴۸ ؛ المناقب للخوارزمي : ص ۳۷۵ ح ۳۹۵ .

3.الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة : ج ۵ ص ۱۷۶ الفصل العاشر .

  • نام منبع :
    الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ السّيّد رسول الموسوي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10195
صفحه از 904
پرینت  ارسال به