۳ . باطن العالم
يتمثّل الرأي الثالث في أنّ الجنّة والنار مادّيتان ، ولهما حقيقة مستقلّة عن وجود الإنسان ، ولهما الآن وجود خارجيّ ، كما أنّ مكانهما في نفس هذا العالم، وهما بسعة السماوات والأرض ، إلّا أنّهما لا تمكن رؤيتهما بالعين الظاهرة، وهذا هو نصّ هذا الرأي :
الجنّة والنار كلتاهما في داخل هذا العالم وباطنه إلّا أنّ حجب عالم الدنيا تحول دون مشاهدتهما، ولكنّ أولياء اللّه بإمكانهم رؤيتها، وقد استطاع نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله عند معراجه حيث كان بعيدا عن ضجيج أهل الدنيا، أن يرى بعينه الملكوتية جانبا من الجنّة في العالم العلوي ، بل إنّ أولياء اللّه يمكنهم أيضا رؤيتها بين الحين والآخر على الأرض في حالة الجذبات المعنوية الخاصة!
وقد تشير الآية «وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُ بِالْكَـفِرِينَ» ، ۱ وكذلك الآية «إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ» ، ۲ وأيضا «كَلَا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينَ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ» ۳ إلى هذا المعنى نفسه .
ويمكن من جهة تشبيه وجود الجنّة في باطن هذا العالم بوجود ماء الورد في الورد، صحيح أنّ كلّاً من ماء الورد والورد مادّيان، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون أحدهما كامنا في الآخر ولا تمكن رؤيته بأيّ عين.
وهناك تشبيه آخر لتقريب هذا الموضوع من الذهن، وقد أشرنا إليه فيما سبق وهو :
يوجد في عالم المادّة هذا الكثير من الأشياء لا يمكننا إدراكها والإحساس بها في الظروف العادية، ويوجد الكثير منها في الباطن المادّي لهذا العالم، وعلى سبيل المثالفإنّ أمواجا عديدة من محطّات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني تنتشر في