435
الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة

استِحياءً مِنكَ ؛ مَا استَوجَبتُ بِذلِكَ مَحوَ سَيّئَةٍ واحِدَةٍ مِن سَيِّئاتي ، وإن كُنتَ تَغفِرُ لي حينَ أستَوجِبُ مَغفِرَتَكَ ، وتَعفو عنّي حين أستِحَقُّ عَفوَكَ ، فَإنَّ ذلِكَ غَيرُ واجِبٍ لي بِاستِحقاقٍ ، وَلا أنَا أهلٌ لَهُ بِاستيجابٍ ، إذ كانَ جَزائي مِنكَ في أوّلِ ما عَصَيتُكَ النّارَ ، فَإن تُعَذِّبني فَأنتَ غَيرُ ظالِمٍ لي . ۱
جدير بالذكر أنّه مع الالتفات للعدل الإلهي في عقاب المجرمين ، فإنّ تناسب العقوبة والمعصية فيما يتعلّق بالعقوبات الاُخرويّة التابعة للتباني والاتّفاق ، هو نظير العقوبات التكوينيّة ، ليس ممّا لا يمنع منه العقل فحسب ، بل هو من المسلّمات التي لا ترديد فيها .

1.الصحيفة السجّادية : ص ۷۰ (دعاؤه في الاستقالة) ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۶ ص ۱۸۲ .


الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
434

ذلك لأنّ عقوبة الآخرة هي نفس العمل في الدنيا وليست شيئا منفصلاً عن العمل .
على هذا الأساس يمكن القول بأنّه لا ريب في أنّ بعض العقوبات الاُخرويّة هي اُمور تكوينيّة ناجمة عن أفعال الإنسان القبيحة أو أنّها تجسّم لتلك الأفعال ، ففي هذا القسم من العقوبات الاُخروية لا معنى لطرح شبهة عدم تناسب العقوبة مع المعصية والمخالفة ، فإنّها نظير العقوبات التكوينيّة الدنيويّة .
والسؤال المطروح هو : هل إنّ العقوبات الاُخرويّة هي بأجمعها تكوينيّة ، أم أنّ بعضها تابع للتباني والاتّفاق ؟ يبدو في النظر أنّه لا يوجد دليل قاطع ينفي وجود عقوبات تابعة للتباني والاتّفاق . والحكمة من أمثال هذه العقوبات الجزائيّة هي أنّ لها آثارا تربوية في عالم الدنيا ؛ ذلك أنّ الاعتقاد بوجود عقابٍ شديد على الأفعال القبيحة ـ بل احتماله ـ يكون رادعا للإنسان للإتيان بها ، وكما ورد فى الرواية :
خَلَقَ اللّه‏ُ تَعالى جَهَنَّمَ مِن فَضلِ رَحمَتِهِ سَوطا يَسوقُ اللّه‏ُ بِهِ عِبادَهُ إلى الجَنَّةِ . ۱
والنقطة الحائزة للأهمّيّة والجديرة بالالتفات فيما يتعلّق بتناسب معصية اللّه‏ سبحانه والعقوبة الاُخرويّة ، هي أنّ عصيان الإنسان للمنعم الذي نعماؤه جزيلة وغير متناهية ، يكون بحكم العقل ذا قبح عظيم جدّا ، ويوجب أشدّ العقوبة ، ويرشد إلى ذلك ما قاله الإمام زين العابدين عليه ‏السلام فى بعض أدعيته ، حيث جاء فيه :
يا إلهى! لَو بَكَيتُ إلَيكَ حَتّى تَسقُطَ أشفارُ عَينَيَّ ، وَانتَحَبتُ حَتّى يَنقَطِعَ صَوتي ، وقُمتُ لَكَ حَتّى تَنتَشِرَ قَدَمايَ ، ورَكَعتُ لَكَ حَتّى يَنخَلِعَ صُلبي ، وسَجَدتُ لَكَ حَتّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتايَ ، وأَكَلتُ تُرابَ الأَرضِ طولَ عُمُري ، وشَرِبتُ ماءَ الرَّمادِ آخِرَ دَهري ، وذَكَرتُكَ في خِلالِ ذلِكَ حَتّى يَكِلَّ لِساني ، ثُمَّ لَم أرفَع طَرفي إلى آفاقِ السَّماءِ

1.راجع : ص ۴۶۷ ح ۱۱۵۱

  • نام منبع :
    الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ السّيّد رسول الموسوي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10994
صفحه از 904
پرینت  ارسال به