519
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

وأشهدتُ ملائكتي على ذلك ، ولا يجب شيءٌ على اللّه ، وإنّما اللّه إذا وعد بشيء أن يفي به ، فكأنّه واجب ؛ لأنّه تعالى لا يخِلّ بذلك البتّة ، ومحبّة اللّه للعبد إرادته أن يثيبه؛ يعني: الذين يتحابّون لوجه اللّه ، ويتجالسون لخدمة اللّه ، ويتعاطون لرضا اللّه ، ويتزاور بعضهم بعضاً تقرّباً إلى اللّه ، يُثيبهم اللّه البتّة ثواباً عظيماً، ورُويت على التثنية. ۱
ثمّ حكى عنه أنّه قال : من أتى بكلمة «لا إله إلّا اللّه » مخلصاً ، وأقام على شرائطها متيقّناً ، فهو في أماني وحِصني في الدارين ، أكفيه وسواس الشيطان ، وأعصمه من اقتراف الذُّنوب ، واُوفّقه للقيام بالواجبات ، فيأمن عقابي . و«الحصن» كناية عن الجوار .
ثمّ ذكر ما فيه تحذير عن الظُّلم ، سيّما على الضَّعَفَة الذين لا يكون لهم عونٌ غير اللّه ، « وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ » ۲ ؛ ينصر المظلوم ، ويخذل الظالم .
وقوله : «مرّي على أوليائي» من مَرَّ الشيء يَمَرّ ـ بالفتح ـ مرارةً فهو مُرٌّ ، وأَمَرَّ أي صار مُرّاً ، ويقال أمرّه غيره أيضاً . خاطَبَ الدُّنيا وأمرَها بأن تكون مرّةً على أوليائه ؛ لأنّها لو كانت حُلواً عليهم لأوقعتهم في الفتن ، وهذا الخطاب والأمر من اللّه تعالى مَجاز واستعار ۳ ؛ لأنّ مخاطبة الجماد غير صحيحة على سبيل الحقيقة .
ومفهوم ذلك أنّ اللّه قد قدّر وقضى أنّ الدُّنيا تكون مُرّةً على عباده المخلصين ؛ ولا تكون حلوةً لهم ؛ لئلّا يفتتنوا .
وقيل : الخطاب مع الملائكة الموكَّلين بتدابير الأرض .
وقوله: «مَن أهانَ لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة» ؛ معناه: أنّ من عادى أوليائي وأهان بأمرهم ونهيهم ولا يُطيعهم فإنّه يعاديني ويحاربني، وهذا نهي عن الوقيعة في أولياء اللّه .
واعلم أنّ التردّد في صفات اللّه غير جائز، والبداء عليه غير سائغ، وتأويله على وجهين:
أحدهما : أنّ المرء قد يُشرِف في أيّام عمره على الهلاك مرّاتٍ من داءٍ يُصيبه وآفةٍ تنزل به ، فيدعو اللّه فيَشفيه منها ويدفع مكروهها منه ، فيكون ذلك مِن فعله

1.يعني «للمتحابَّين ... المتجالسَين ... المتباذلَين ... المتزاورَين ...» .

2.آل عمران (۳) : ۴ .

3.كذا في المخطوطة ، والأولى أن يكون «استعارة» لا «استَعَارَ» .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
518

۸۸۴.يَا دُنْيَا مُرِّي عَلى أَوْلِيَائِي ، وَلَا تَحْلَوْلِي لَهُمْ فَتَفْتَنِيهُمْ . ۱

۸۸۵.يَا دُنْيَا اخْدِمِي مَنْ خَدَمَنِي ، وَأَتْعِبِي مَنْ خَدَمَكِ . ۲

۸۸۶.مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ ۳ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ مِثْلَ مَا تَرَدَّدْتُ فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ، وَلَابُدَّ لَهُ مِنْهُ . ۴

وجه الحديث الأوّل هو: أنّ اللّه تعالى يقول: إنّ العبد إذا أذنب ثمّ تاب توبةً نصوحاً وظنّ أنّ اللّه يغفر له ما تقدّم من ذنبه كلّه، كان اللّه له عند ظنّه به، وكذلك إن لم يكن قد تاب وكان حسَن الظنّ بربّه يعفو عنه، ويجوز أن يكون الظنّ ههنا بمعنى العلم.
وقيل : معناه : أنا عند ظنّ عبدي بالفضل والعدل ؛ فإن ظنَّ أنّه يعدل أو يفضل فإنّه تعالى به كما ظنّ ، وأنا كائنٌ مع عبدي بالعون والنصرة والحفظ والكِلاة والفضل والإحسان إذا ذكرني بالرأفة والرحمة . وتمامه : «وأنا معه إذا دعاني» ؛ أي : إنّي قريبٌ ، أسمع دعائي به ، واُجيبه عليه .
ثمّ قال : إنّ اللّه تعالى يقول : أوجبتُ على نفسي أن اُثبّت ۵ هؤلاء الأربعة ،

1.مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۳۲۵ ، ح ۱۴۵۳ .

2.مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۳۲۵ ، ح ۱۴۵۴ ؛ تاريخ بغداد ، ص ۴۴ ، ح ۴۱۰۰ ؛ تاريخ الإسلام للذهبي ، ج ۲۱ ، ص ۱۵۹ ؛ الموضوعات لابن الجوزي ، ج ۳ ، ص ۱۳۶ . الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۶۳ ، عدّة الداعي ، ص ۱۰۰ ؛ بحارالأنوار ، ج ۷۴ ، ص ۵۴ ، ح ۳ (فيه عن مكارم الأخلاق) .

3.في المخطوطة «ردّدت» كما في المورد الآتي أيضا في هذه الرواية وفي مسند الشهاب ، وهو تصحيف مخالف للمصادر ، وكما يأتى في الشرح أيضا . ولكن جاء في تأويل هذه الرواية في عمدة القاري (ج ۲۳ ، ص ۹۰) في وجوه معناه : «والثاني : أن يكون معناه : ما ردّدت رسلي في شيء أنا فاعله ، كترديدي إياهم في نفس المؤمن ، كما روي في قصّة موسى عليه السلام وما كان من لطمه عين ملك الموت وتردّده إليه مرّةً بعد اُخرى» .

4.مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۳۲۷ ، ح ۱۴۵۶ و ۱۴۵۷ ، المصنّف لابن أبي شيبة ، ج ۸ ، ص ۲۹۰ ، ح ۱۹ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۷ ، ص ۹۵ ، ح ۴۷۴ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱ ، ص ۲۲۹ ، ح ۱۱۵۶ ؛ ميزان الاعتدال للذهبي ، ج ۱ ، ص ۶۴۱ ، ح ۲۴۶۳ . الكافي، ج ۲، ص ۲۴۶، ح ۶ (مع اختلاف)، الدعوات للراوندي ، ص ۱۳۴ ، ح ۳۳۲ ؛ كتاب المؤمن للحسين بن سعيد ، ص ۳۶ ، ح ۸۰ ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۴ ، ص ۱۵۶ .

5.كذا في المخطوطة، ويحتمل قويّا أن يكون: «اُثيب».

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    قطب الدین ابی الحسین سعید بن هبة الله راوندی، تحقيق: مهدی سليمانی آشتيانی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5325
صفحه از 627
پرینت  ارسال به