479
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

ثمّ رغّب في الاعتزال عن الخلق والاشتغال بطاعة اللّه في البيت ، ولا حاجة للمسلمين إلى الصوامع . والقرآن أصدق كلّ كلامٍ ؛ لأنّه كلام اللّه الذي يخبر عن كلّ شيء كما هو ؛ فإنّه العالِم بتفصيل الأشياء ، وكلمة التقوى شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّداً رسوله ، وهذا حبلٌ وثيقٌ مَنْ تمسّك به نجا .
ثمّ قال : أحسن الطريقة طريقة الأنبياء ؛ لأنّها محمودة تهتدي بها الخلائق ، ولا موت كقتل الشهيد ؛ لأنّ اللّه يُكرمه بالإحياء بعد ذلك قبل يوم القيامة ، فالشهداء أحياء مرزوقون فرحون بما آتاهم اللّه .
وكان عليه السلام يستعمل الطيب حتّى قال : أطيبها المسك . ومعنى [أطيب] أنّه أزكى رائحةً . وقيل : معنى «أطيب» أظهر . ولا حلاوة للأغذية والأطعمة إلّا بالملح ، فكذلك جعله سيّدها وقال عليه السلام : «عليكم بالملح ؛ فإنّه دواء من اثنين وسبعين داءً» . ۱
ثمّ رغّب في أدعية الغرباء النُزّاع من أوطانهم باستمالة قلوبهم ، وقال عليه السلام : «اغتنموا دعاء الغريب ؛ فإنّ للغريب عند اللّه حرمةً» ۲ ، وهو ترغيب للغريب أيضاً في الدعاء ؛ فإنّ دعاءه أرجى للإجابة .
ثمّ نبّه على حال قلب ابن آدم ؛ فإنّه أسرع نقله من حالٍ إلى حال من القِدر حال غليانها ، وإنّ صلاح [البدن] في صلاحه وفساد البدن في فساده ؛ فإنّه رئيس الكلّ ، فعليكم على تثبيته على الطاعات . و«استجمع» يكون لازماً كقولهم : سيل مستجمع ؛ أي مجتمع ، ويكون متعدّياً كما في الخبر . و«غلياً» تمييز يدلّ على المفعول ، كأنّه قال : استجمعتْ جميع أنواع الغلي . يجوز أن يكون غلياً مصدراً في موضع الحال، أي غاليةً .
ثمّ استحمد الذين يستعملون الخلال بعد أكل الطعام ؛ فإنّه سنّة ، وقال عليه السلام : «من استعمل الخشبتين لا يحتاج إلى القلع» ۳ ، أراد الخلال والسواك .

1.الدعوات ، ص ۱۴۵ ، ح ۳۷۷ ؛ كشف الخفاء ، ج ۱ ، ص ۴۵۸ ؛ مسند الفردوس ، ج ۳ ، ص ۶۲ (وفي كلّها : - «اثنين و») .

2.لم نعثر عليه في موضع .

3.راجع : مستدرك الوسائل ، ج ۱۶ ، ص ۳۱۸ ، ح ۸ ؛ بحارالأنوار ، ج ۵۹ ، ص ۲۹۱ .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
478

قامت مقام ذات الرحِم .
وقيل : إنّما ذكر في الخبر الذي في الكتاب على عادة العرب ؛ لأنّ أحبّ الطعام إليهم التمر .
وأمّا قوله: نعمّا بالمال الصالح، فالباء زائدة، فكأنّه قال: نِعمَ المال الحلال للرجل الذي يقوم فيه ما أمره اللّه ؛ فإنّ المرء الصالح يُصلِح بأمواله أحوال نفسه وعياله والمؤمنين، و«ما» في «نعمّا» نكرة غير موصوفةٍ ولا موصولةٍ. والمعنى: نعم شيئاً.
وقيل : الباء في قوله «بالمال» يدلّ على أنّ المعنى : مرحباً بالمال ، كأنّه قال : نعمّا ، فقيل : بِمَ تختصّ هذه الكلمة؟ فقال : «بالمال الصالح» ، كقولِهم مرحباً . ثمّ كأنّه قيل : بِمَ يختصّ؟ فقال : بك . و«العون» مصدر بمعنى الفاعل ؛ أي : نعم المُعين على التقوى هذا المال ؛ لأنّ المؤمن إذا كان له مالٌ يتخلّصُ من ذُلّ السؤال ومن الطلب والتكسّب ، فيؤدّي الطاعات على فراغ ۱ القلب ، وينفق في سبيل اللّه .
وتمام الخبر الذي بعده : قيل : يا رسول اللّه ، ما الفأل؟ قال : «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم» ، فكأنّ الرجل إذا سمع ذلك أتاه بشارة بنجاحه فيفرح .
ثمّ حثَّ على الاكتفاء بالبلغة ۲ من العيش ولزوم الاقتصاد ، و«الخَلّ» إدامٌ يكسر الشهوة وكثيراً من العلل .
وعن جابر قال : أخذ رسول اللّه عليه السلام بيدي وقال : «أ ما من غذاء؟» فأخرجت إليه فلقاً من خُبز ، فقال : «هل من إدام؟» فقلت : لا ، إلّا شيء من خَلّ . فقال : «إنّ الخلّ نِعمَ الإدام» . ۳
وفي الحديث : «ما أقفر قومٌ عندهم خلّ» ۴ ؛ أي : لا يعدمون الإدام ، و«الإدام» : ما يؤدم به الطعام ؛ أي يصلح ، وهذا البناء يجيء لما يُفعل به كثيراً ؛ نحو الركاب لما يركب به ، والحزام لما يحزم به .

1.في المخطوطة: «فراق»، والمناسب ما اُثبت.

2.في المخطوطة : «البلغة» .

3.المستدرك للحاكم ، ج ۴ ، ص ۵۴ ؛ مجمع الزوائد ، ج ۶ ، ص ۱۷۶ ؛ المعجم الأوسط ، ج ۷ ، ص ۸۷ .

4.راجع : العين ، ج ۵ ، ص ۱۵۲ (قفر) .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    قطب الدین ابی الحسین سعید بن هبة الله راوندی، تحقيق: مهدی سليمانی آشتيانی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5309
صفحه از 627
پرینت  ارسال به