455
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

ثمّ قال : [ليست] كثرة المال بغنىً ، وإنّما الغنى هو القناعة وهي غنى النفس .
وروي أنّ رسول اللّه مرَّ بقومٍ يتصارعون ، فقال : «ما هذا؟» فقال : يُعلَم أيّنا أقوى . فقال عليه السلام : «ليس الشديد ـ أي القويّ ـ من يصرع الناس ، إنّما القويّ من لا يغلبُه الغضب» ۱
، و«الصُّرَعَة» : الذي يَصْرَعُ الناس كالضُّحَكة والهُمَزة ، والهاء في الفُعَلة للمبالغة في الصفة .
ثمّ قال : لا شيء أفضل من الدُّعاء ، وهو أفضل من السكوت ، ولا شيء يكون عقوبته أسرع من بَغي ، وهو الأخذ بالظلم من غير شفقةٍ ، وقيل : أن يتطاول بالظلم وقت الظَّفَر . و«البغي» : تجاوز الحدّ .
ثمّ قال : ليس فرسٌ خيراً من ألف فرسٍ ، ولا بعيرٌ خيراً من ألف بعيرٍ ، ولا حيوانٌ [خيرا] من ألف حيوانٍ من جنسه إلّا المؤمن ؛ فإنّه يكون واحدٌ من المؤمنين خيراً من ألف مؤمنٍ ، وهذا التفاوت لا يكون في جنسٍ آخر ولا يحصل . و«شيء» نكرة ۲ وإنّما جاز كونه اسم «ليس» في الأخبار الثلاثة لشياعه ، وكلّ ما قدّرته فهو المراد .
وهذا آخر المواضع التي يقوم النكرة مقام المعرفة فيها .
ومعنى الخبر الأخير في تمامه : «وما بقي فهو مال الوارث» ؛ يعني : نصيبك من جملة مالك ما أكلتَ ولبستَ أو تصدّقتَ ، وما سوى ذلك فلوارثك .

1.راجع: مسند أبي داود الطيالسي، ص ۳۲۹ .

2.في المخطوطة: «يكره»، وهو تصحيف .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
454

والأحسن أن يكون معناه : من لم يقم على أوامر القرآن ونواهيه وأحكامه ولم يتّخذه منزل مقامٍ فليس منّا ؛ أي ليس على ديننا ، ويكون «يتغنّى» مِن غَنِيَ الرجل بالمكان إذا طال مقامه ؛ قال تعالى : « كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا » ۱ أي لم يقيموا فيها .
ومن تعدّى القرآن إلى السنّة فما تجاوز القرآنَ إلى غيره ؛ لأنّ القرآن دالٌّ على وجوب اتّباع السنّة ؛ قال : « وَ مَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ » ۲ ، ويجوز أن يكون «يتغنّى» بمعنى يستغني ؛ أي : مَن لم يستغن بالقرآن عن التوراة فليس منّا ؛ فإنّهم كانوا يسألون اليهود ، حتّى قال النبيّ عليه السلام : «أ متهوّكون أنتم؟» قال : يا رسول اللّه ، إنّا نسمع أحاديث من يهود ، تعجبنا ، أفترى أن يكتُبَ بعضها؟ فقال : «أمتهوِّكون أنتم ، كما تهوّكت اليهود والنصارى؟! لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة ، ولو كان موسى حيّاً ما وسِعَه إلّا اتّباعي» . ۳ والتهوّك : الاضطراب على غير استقامة ، والضمير في «بها» للملّة الحنيفية .
وقوله : «ليس منّا من لم يُوقّر الكبير» ، فمعناه : ليس على سنّتنا من ترك هذه الأشياء الأربعة مع القدرة عليها ، وهو ترك مراعاة مَن هو أكبر منه بالوقار وترك عناية من هو أصغر منه بالرحمة والشفقة ، والإعراض عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع التمكين .
ونَمَى الخبر : بلّغه ورفعه على وجه الإصلاح ، وأنمى الخبر : رفعه وبلّغه على وجه الإفساد . والخبر رخصة بأنّ مَن يصلح بين رجلين مُسلمين يقول : إنّ فلاناً يستحيي منك ويعتذر ، أو به يبلغ من هذا إلى هذا من غير إذن منهما قولاً حسناً تكلّما به؛ لينسلّ من قلب ۴ أخيه المسلم السخيمة فلا يكون نمّاماً ولا آثماً .

1.الأعراف (۷) : ۹۲ .

2.الحشر (۵۹) : ۷ .

3.الفائق في غريب الحديث، ص ۴۱۱؛ تفسير الثعلبي، ج ۲، ص ۱۲۷. معاني الأخبار، ص ۱۸۳؛ الدعوات للراوندي، ص ۱۷۰؛ بحارالأنوار، ج ۳۰، ص ۱۷۹، ح ۳۹ .

4.في المخطوطة: «قلة»، والظاهر أنّه تصحيف في الكتابة .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    قطب الدین ابی الحسین سعید بن هبة الله راوندی، تحقيق: مهدی سليمانی آشتيانی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5317
صفحه از 627
پرینت  ارسال به