389
ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار

التكليف ، وإذا زال في هذا الدار التكليف يكون بعدها دار الجزاء ؛ يعني : تقوم القيامة إذا لم يبق في الناس حجّة للّه إلّا عيسى .
وقد أخبَرَنا رسول اللّه أنّ مهديَّ عترته يموت ويبقى عيسى بن مريم ، والواو التي في قوله : «ولا مهديّ» واو الحال .
وقوله : «لا مهديٌّ» مبتدأ ؛ أي : لا مهديٌّ حاصلاً حاضراً البتّة ، ولا اثنان فصاعدا. ۱
وقوله : «إلّا عيسى بن مريم» حديث واحد، وإذا كان كذلك فلا ۲ يمكن لأجل هذا أحداً أن يقول: لا يكون مهديٌّ في هذه الاُمّة غيره ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخبر بنعت المهديّ الذي يخرج في آخر الزمان من عترته بنعته وصفته وخرجته في السير والصحاح.
وقد جمع الشيخ الحافظ أبو نعيم ۳ أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن إسحاق الأصفهاني ۴ صاحب كتاب حلية الأولياء ، كتاباً في ذكر المهديِّ ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته المستفيض ۵ من أخبار الرسول صلى الله عليه و آله وآثاره يوفي عددها على المئتين ، ثمّ ذكر في آخره فصلاً في تأويل الحديث الذي تفرّد أبان بن صالح عن الحسن عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا يزداد الأمر إلّا شدّةً ، ولا الدُّنيا إلّا شحّاً ، ولا تقوم الساعة إلّا على شِرار الناس ، ولا مهديّ إلّا عيسى بن مريم» ۶ ، قال : ومعناه : أن لا مهديٌّ مُرسَل نبيّ مهديّ إلّا عيسى ، وأن لا مهديّ كعيسى ؛ لأنّ عيسى من النبيّين ، والمهديّ الذي هو من عترة النبيّ إمام عادل ليس بنبيّ مُوحىً إليه ، والفرق بينهما أنّ عيسى هو المهديُّ المُرسل الموحى إليه ، والمهديّ ليس بنبيّ موحى إليه . وقد أخبَرَنا عن ذلك أبو عليّ الحسن

1.في المخطوطة : «فصاعد» ، والظاهر أنّه تصحيف .

2.في المخطوطة : «ولا» ، والصحيح ما أثبتناه .

3.في المخطوطة : «أبو نسيم» ، وهو تصحيف .

4.هو الحافظ الكبير، وكان فقيها مشهورا عالي الإسناد، ولد سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة وتوفّي في المحرّم سنة ثلاثين وأربعمائة. راجع: وفيات الأعيان، ج ۱، ص ۹۱، الرقم ۳۳.

5.كذا في المخطوطة ، والظاهر أنّ الصحيح : «بالمستفيض» .

6.راجع : سنن إبن ماجة ، ج ۲ ، ص ۱۳۴۱ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۴ ، ص ۴۴ ؛ مجمع الزوائد ، ج ۷ ، ص ۲۸۵ .


ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
388

۵۸۹.لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتّى يَقِلَّ الرِّجَالُ وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ . ۱

حثَّ أوّلاً على مراعاة حال الجار والتفحّص عن باطن اُموره ، ومعناه : لا يجوز أن يصير المؤمن شبعان ويكون جاره جائعاً ، ومن كان مؤمناً لا يفعل هذا .
وإنّما لا يشبع العالم من علمٍ إلّا أن يموت؛ لأنّ العلم لا يكون إلّا حَسَناً ، والمؤمن لا يخلو من فعل الحسن ، والعلم من أحسن الحسن .
وروي مرفوعاً : «العالم لا يشبع من الأثر كالأرض من المطر ، والاُنثى من الذكر ، والعين من النظر» . ۲
ثمّ ذكر أحوال آخر الزمان وظهور أشراطه ؛ بأنّ الأمر في تلك الحالة يكون كلّ يومٍ أشدّ ممّا كان قبله ، ولا يرجى الإقبال من الدُّنيا ، ولا يزيد الدُّنيا إلّا إدباراً عن أهلها في ذلك الزمان ، ولا يزيد الناس إلّا بُخلاً بما في أيديهم وبما في أيدي الناس أيضاً . في ذلك الوقت هذه الثلاثة من أمارات آخر الزمان وأمارة قيام الساعة وهي القيامة : أن لا يكون الناس إلّا شراراً ، والحال أن لا يكون بين الخلائق هادٍ ولا مهديٌّ إلّا عيسى بن مريم ، وهذا تنبيه على ما هو مركوز في العقول ويقتضيه الأدلّة العقلية ؛ وهو أنّه مهما كان التكليف للخلق والعصمة مرتفعة منهم يجب أن يكون لهم رئيس معصوم مهديّ لكونه لطفاً ، فالخلق مع وجوده أقرب إلى الصلاح وأبعدُ من الفساد ، ومع فقده الأمرُ بالضدّ ، واللطف واجب في التكليف كالتمكين ، واللّه لا يخلّ ۳ بالواجب ، فإذا لم يكن بين الخلائق معصوم في وقتٍ فذلك الوقت زوال

1.مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۷۲ ، ح ۹۰۴ ؛ صحيح البخاري ، ج ۶ ، ص ۱۵۸ ؛ فتح الباري ، ج ۹ ، ص ۲۸۸ ؛ عمدة القاري ، ج ۲۰ ، ص ۲۱۲ ؛ تعليق التعليق ، ج ۴ ، ص ۴۳۳ ؛ تفسير إبن كثير ، ج ۳ ، ص ۵۵۳ ؛ الدرّ المنثور ، ج ۵ ، ص ۲۴۲ (مع الاختلاف في الجميع غير الأوّل) .

2.المحاسن ، ج ۱ ، ص ۹ ، ح ۲۴ ؛ الخصال ، ص ۲۲۱ ، ح ۴۷ ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۲ ، ص ۲۲۲ ؛ بحارالأنوار ، ج ۱ ، ص ۲۲۱ (كلّها عن أبي عبداللّه عليه السلام هكذا : أربعة لا يشبعن من أربعة : الأرض من المطر ... والعالم من العلم) .

3.في المخطوطة : «يحل» بدون أيّة نقطة ، والصحيح ما أثبتناه .

  • نام منبع :
    ضياء الشّهاب في شرح شِهاب الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    قطب الدین ابی الحسین سعید بن هبة الله راوندی، تحقيق: مهدی سليمانی آشتيانی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6025
صفحه از 627
پرینت  ارسال به