الرّاحِمينَ .
سَيِّدي ، خَلَقتَني فَأَكمَلتَ تَقديري ، وصَوَّرتَني فَأَحسَنتَ تَصويري ، فَصِرتُ بَعدَ العَدَمِ مَوجوداً ، وبَعدَ المَغيبِ شَهيداً ، وجَعَلتَني بِتَحَنُّنِ رَأفَتِكَ تامّاً سَوِيّاً ، وحَفِظتَني فِي المَهدِ طِفلاً صَبِيّاً ، ورَزَقتَني مِنَ الغِذاءِ سائِغاً هَنيئاً ، ثُمَّ وَهَبتَ لي رَحمَةَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ ، وعَطَفتَ عَلَيَّ قُلوبَ الحَواضِنِ وَالمُرَبِّياتِ ، كافِياً لي شُرورَ الإِنسِ وَالجانِّ ، مُسَلِّماً لي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ ، حَتّى أفصَحتُ ناطِقاً بِالكَلامِ ، ثُمَّ أنبَتَّني زائِدَةً في كُلِّ عامٍ ، وقَد أسبَغتَ عَلَيَّ مَلابِسَ الإِنعامِ .
ثُمَّ رَزَقتَني مِن ألطافِ المَعاشِ ، وأَصنافِ الرِّياشِ ، وكَنَفتَني بِالرِّعايَةِ في جَميعِ مَذاهِبي ، وبَلَّغتَني ما اُحاوِلُ مِن سائِرِ مَطالِبي إتماماً لِنِعمَتِكَ لَدَيَّ ، وإيجاباً لِحُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وذلِكَ أكثَرُ مِن أن يُحصِيَهُ القائِلونَ ، أو يُثنِيَ بِشُكرِهِ العامِلونَ ، فَخالَفتُ ما يُقَرِّبُني مِنكَ ، وَاقتَرَفتُ ما يُباعِدُني عَنكَ ، فَظاهَرتَ عَلَيَّ جَميلَ سِترِكَ ، وأَدنَيتَني بِحُسنِ نَظَرِكَ وبِرِّكَ ، ولَم يُباعِدني عَن إحسانِكَ تَعَرُّضي لِعِصيانِكَ ، بَل تابَعتَ عَلَيَّ في نِعَمِكَ ، وعُدتَ بِفَضلِكَ وكَرَمِكَ ، فَإِن دَعَوتُكَ أجَبتَني ، وإن سَأَلتُكَ أعطَيتَني ، وإن شَكَرتُكَ زِدتَني ، وإن أمسَكتُ عَن مَسأَلَتِكَ ابتَدَأتَني ، فَلَكَ الحَمدُ عَلى بَوادي أياديكَ وتَواليها ، حَمداً يُضاهي آلاءَكَ ويُكافيها .
سَيِّدي ، سَتَرتَ عَلَيَّ فِي الدُّنيا ذُنوباً ضاقَ عَلَيَّ مِنهَا المَخرَجُ ، وأَ نَا إلى سَترِها عَلَيَّ فِي القِيامَةِ أحوَجُ ، فَيا مَن جَلَّلَني بِسِترِهِ عَن لَواحِظِ المُتَوَسِّمينَ ، لا تُزِل سِترَكَ عَنّي عَلى رُؤوسِ العالَمينَ .
سَيِّدي ، أعطَيتَني فَأَسنَيتَ ۱ حَظّي ، وحَفِظتَني فَأَحسَنتَ حِفظي ، وغَذَّيتَني فَأَنعَمتَ غِذائي ، وحَبَوتَني فَأَكرَمتَ مَثوايَ ، وتَوَلَّيتَني بِفَوائِدِ البِرِّ وَالإِكرامِ ، وخَصَصتَني بِنَوافِلِ