305
کنز الدعاء المجلد الاول

الرّاحِمينَ .
سَيِّدي ، خَلَقتَني فَأَكمَلتَ تَقديري ، وصَوَّرتَني فَأَحسَنتَ تَصويري ، فَصِرتُ بَعدَ العَدَمِ مَوجوداً ، وبَعدَ المَغيبِ شَهيداً ، وجَعَلتَني بِتَحَنُّنِ رَأفَتِكَ تامّاً سَوِيّاً ، وحَفِظتَني فِي المَهدِ طِفلاً صَبِيّاً ، ورَزَقتَني مِنَ الغِذاءِ سائِغاً هَنيئاً ، ثُمَّ وَهَبتَ لي رَحمَةَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ ، وعَطَفتَ عَلَيَّ قُلوبَ الحَواضِنِ وَالمُرَبِّياتِ ، كافِياً لي شُرورَ الإِنسِ وَالجانِّ ، مُسَلِّماً لي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ ، حَتّى‏ أفصَحتُ ناطِقاً بِالكَلامِ ، ثُمَّ أنبَتَّني زائِدَةً في كُلِّ عامٍ ، وقَد أسبَغتَ عَلَيَّ مَلابِسَ الإِنعامِ .
ثُمَّ رَزَقتَني مِن ألطافِ المَعاشِ ، وأَصنافِ الرِّياشِ ، وكَنَفتَني بِالرِّعايَةِ في جَميعِ مَذاهِبي ، وبَلَّغتَني ما اُحاوِلُ مِن سائِرِ مَطالِبي إتماماً لِنِعمَتِكَ لَدَيَّ ، وإيجاباً لِحُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وذلِكَ أكثَرُ مِن أن يُحصِيَهُ القائِلونَ ، أو يُثنِيَ بِشُكرِهِ العامِلونَ ، فَخالَفتُ ما يُقَرِّبُني مِنكَ ، وَاقتَرَفتُ ما يُباعِدُني عَنكَ ، فَظاهَرتَ عَلَيَّ جَميلَ سِترِكَ ، وأَدنَيتَني بِحُسنِ نَظَرِكَ وبِرِّكَ ، ولَم يُباعِدني عَن إحسانِكَ تَعَرُّضي لِعِصيانِكَ ، بَل تابَعتَ عَلَيَّ في نِعَمِكَ ، وعُدتَ بِفَضلِكَ وكَرَمِكَ ، فَإِن دَعَوتُكَ أجَبتَني ، وإن سَأَلتُكَ أعطَيتَني ، وإن شَكَرتُكَ زِدتَني ، وإن أمسَكتُ عَن مَسأَلَتِكَ ابتَدَأتَني ، فَلَكَ الحَمدُ عَلى‏ بَوادي أياديكَ وتَواليها ، حَمداً يُضاهي آلاءَكَ ويُكافيها .
سَيِّدي ، سَتَرتَ عَلَيَّ فِي الدُّنيا ذُنوباً ضاقَ عَلَيَّ مِنهَا المَخرَجُ ، وأَ نَا إلى‏ سَترِها عَلَيَّ فِي القِيامَةِ أحوَجُ ، فَيا مَن جَلَّلَني بِسِترِهِ عَن لَواحِظِ المُتَوَسِّمينَ ، لا تُزِل سِترَكَ عَنّي عَلى‏ رُؤوسِ العالَمينَ .
سَيِّدي ، أعطَيتَني فَأَسنَيتَ ۱ حَظّي ، وحَفِظتَني فَأَحسَنتَ حِفظي ، وغَذَّيتَني فَأَنعَمتَ غِذائي ، وحَبَوتَني فَأَكرَمتَ مَثوايَ ، وتَوَلَّيتَني بِفَوائِدِ البِرِّ وَالإِكرامِ ، وخَصَصتَني بِنَوافِلِ

1.السناءُ : ارتفاع القدر والمنزلة عند اللَّه تعالى ( مجمع البحرين : ج ۲ ص ۸۹۶ « سنا » ) .


کنز الدعاء المجلد الاول
304

نَصوحاً تُطَهِّرُ بِها قَلبي .
سَيِّدي ، أنتَ نوري في كُلِّ ظُلمَةٍ ، وذُخري لِكُلِّ مُلِمَّةٍ ، وعِمادي عِندَ كُلِّ شِدَّةٍ ، وأَنيسي في كُلِّ خَلوَةٍ ووَحدَةٍ ، فَأَعِذني من سوءِ مَواقِفِ الخائِنينَ ، وَاستَنقِذني مِن ذُلِّ مَقامِ الكاذِبينَ .
سَيِّدي ، أنتَ دَليلُ مَنِ انقَطَعَ دَليلُهُ ، وأَمَلُ مَنِ امتَنَعَ تَأميلُهُ ، فَإِن كانَ ذُنوبي حالَت بَينَ دُعائي وإجابَتِكَ ، فَلَم يَحُل كَرَمُكَ بَيني وبَينَ مَغفِرَتِكَ ، وإنَّكَ لا تُضِلُّ مَن هَدَيتَ ، ولا تُذِلُّ مَن والَيتَ ، ولا يَفتَقِرُ مَن أغنَيتَ ، ولا يُسعَدُ مَن أشقَيتَ ، وعِزَّتِكَ لَقَد أحبَبتُكَ مَحَبَّةً استَقَرَّت في قَلبي حَلاوَتُها ، وأَنِسَت نَفسي بِبِشارَتِها ، ومُحالٌ في عَدلِ أقضِيَتِكَ أن تَسُدَّ أسبابَ رَحمَتِكَ عَن مُعتَقِدي مَحَبَّتِكَ .
سَيِّدي ، لَولا تَوفيقُكَ ضَلَّ الحائِرونَ ، ولَولا تَسديدُكَ لَم يَنجُ المُستَبصِرونَ ، أنتَ سَهَّلتَ لَهُمُ السَّبيلَ حَتّى‏ وَصَلوا ، وأَنتَ أيَّدتَهُم بِالتَّقوى‏ حَتّى‏ عَمِلوا ، فَالنِّعمَةُ عَلَيهِم مِنكَ جَزيلَةٌ ، وَالمِنَّةُ مِنكَ لَدَيهِم مَوصولَةٌ .
سَيِّدي ، أسأَ لُكَ مَسأَلَةَ مِسكينٍ ضارِعٍ ۱ ، مُستَكينٍ خاضِعٍ ، أن تَجعَلَني مِنَ الموقِنينَ خُبراً وفَهماً ، وَالمُحيطينَ مَعرِفَةً وعِلماً ، إنَّكَ لَم تُنزِل كُتُبَكَ إلّا بِالحَقِّ ، ولَم تُرسِل رُسُلَكَ إلّا بِالصِّدقِ ، ولَم تَترُك عِبادَكَ هَمَلاً ولا سُدىً ، ولَم تَدَعهُم بِغَيرِ بَيانٍ ولا هُدىً ، ولَم تَرضَ مِنهُم بِالجَهالَةِ وَالإِضاعَةِ ، بَل خَلَقتَهُم لِيَعبُدوكَ ، ورَزَقتَهُم لِيَحمَدوكَ ، ودَلَلتَهُم عَلى‏ وَحدانِيَّتِكَ لِيُوَحِّدوكَ ، ولَم تُكَلِّفهُم مِنَ الأَمرِ ما لا يُطيقونَ ، ولَم تُخاطِبهُم بِما يَجهَلونَ ، بَل هُم بِمَنهَجِكَ عالِمونَ ، وبِحُجَّتِكَ مَخصوصونَ ، أمرُكَ فيهِم نافِذٌ ، وقَهرُكَ بِنَواصيهِم آخِذٌ ، تَجتَبي مَن تَشاءُ فَتُدنيهِ ، وتَهدي مَن أنابَ إلَيكَ مِن مَعاصيكَ فَتُنجيهِ ، تَفَضُّلاً مِنكَ بِجَسيمِ نِعمَتِكَ ، عَلى‏ مَن أدخَلتَهُ في سَعَةِ رَحمَتِكَ ، يا أكرَمَ الأَكرَمينَ ، وأَرأَفَ

1.الضارِعٌ : النَّحيفُ الضاوي الجِسم ( النهاية : ج ۳ ص ۸۴ « ضرع » ) .

  • نام منبع :
    کنز الدعاء المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدی‌ ری‌شهری، با همکاری رسول افقی
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 26467
صفحه از 579
پرینت  ارسال به