سَيِّدي ، إنَّ مَن تَقَرَّبَ مِنكَ لَمَكينٌ مِن مُوالاتِكَ ، وإن مَن تَحَبَّبَ إلَيكَ لَقَمينٌ بِمَرضاتِكَ ، وإنَّ مَن تَعَرَّفَ بِكَ لَغَيرُ مَجهولٍ ، وإنَّ مَنِ استَجارَ بِكَ لَغَيرُ مَخذولٍ .
سَيِّدي ، أتُراكَ تُحرِقُ بِالنّارِ وَجهاً طالَما خَرَّ ساجِداً بَينَ يَدَيكَ ، أم تُراكَ تَغُلُّ إلَى الأَعناقِ أكُفّاً طالَما تَضَرَّعَت في دُعائِها إلَيكَ ، أم تُراكَ تُقَيِّدُ بِأَنكالِ ۱ الجَحيمِ أقداماً طالَما خَرَجَت مِن مَنازِلِها طَمَعاً فيما لَدَيكَ ، مَنّاً مِنكَ عَلَيها لامَنّاً مِنها عَلَيكَ ؟!
سَيِّدي ، كَم مِن نِعمَةٍ لَكَ عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِندَها شُكري ، وكَم مِن بَلِيَّةٍ ابتَلَيتَني بِها عَجَزَ عَنها صَبري ، فَيا مَن قَلَّ شُكري عِندَ نِعَمِهِ فَلَم يَحرِمني ، وعَجَزَ صَبري عِندَ بَلِيَّتي فَلَم يَخذُلني ، جَميلُ فَضلِكَ عَلَيَّ أبطَرَني ، وجَليلُ حِلمِكَ عَنّي غَرَّني .
سَيِّدي ، قَويتُ بِعافِيَتِكَ عَلى مَعصِيَتِكَ ، وأَنفَقتُ نِعمَتَكَ في سَبيلِ مُخالَفَتِكَ ، وأَفنَيتُ عُمُري في غَيرِ طاعَتِكَ ، فَلَم يَمنَعكَ جُرأَتي عَلى ما عَنهُ نَهَيتَني ، ولَا انتِهاكي ما مِنهُ حَذَّرتَني أن سَتَرتَني بِحِلمِكَ السّاتِرِ ، وحَجَبتَني عَن عَينِ كُلِّ ناظِرٍ ، وعُدتَ بِكَريمِ أياديكَ حينَ عُدتُ بِارتِكابِ مَعاصيكَ ، فَأَنتَ العَوّادُ بِالإِحسانِ ، وأَ نَا العَوّادُ بِالعِصيانِ .
سَيِّدي ، أتَيتُكَ مُعتَرِفاً لَكَ بِسوءِ فِعلي ، خاضِعاً لَكَ بِاستِكانَةِ ذُلّي ، راجِياً مِنكَ جَميلَ ما عَرَّفتَنيهِ مِنَ الفَضلِ الَّذي عَوَّدتَنيهِ ، فَلا تَصرِف رَجائي مِن فَضلِكَ خائِباً ، ولا تَجعَل ظَنّي بِتَطَوُّلِكَ كاذِباً . سَيِّدي ، إنَّ آمالي فيكَ يَتَجاوَزُ آمالَ الآمِلينَ ، وسُؤالي إيّاكَ لا يُشبِهُ سُؤالَ السّائِلينَ ؛ لِأَنَّ السّائِلَ إذا مُنِعَ امتَنَعَ عَنِ السُّؤالِ ، وأَ نَا فَلا غَناءَ بي عَنكَ في كُلِّ حالٍ .
سَيِّدي ، غَرَّني بِكَ حِلمُكَ عَنّي إذ حَلُمتَ ، وعَفوُكَ عَن ذَنبي إذ رَحِمتَ ، وقَد عَلِمتُ أنَّكَ قادِرٌ أن تَقولَ لِلأَرضِ خُذيهِ فَتَأخُذَني ، ولِلسَّماءِ أمطِريهِ حِجارَةً فَتُمطِرَني ، ولَو أمَرتَ بَعضي أن يَأخُذَ بَعضاً لَما أمهَلَني ، فَامنُن عَلَيَّ بِعَفوِكَ عَن ذَنبي ، وتُب عَلَيَّ تَوبَةً