سَيِّدي ، إنّي شَهِدَ لِيَ الإِيمانُ بِتَوحيدِكَ ، ونَطَقَ لِساني بِتَمجيدِكَ ، ودَلَّنِي القُرآنُ عَلى فَواضِلِ جودِكَ ، فَكَيفَ لا يَبتَهِجُ رَجائي بِتَحقيقِ مَوعودِكَ ، ولا تَفرَحُ اُمنِيَّتي بِحُسنِ مَزيدِكَ .
سَيِّدي ، إن غَفَرتَ فَبِفَضلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَبِعَدلِكَ ، فَيا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، ولا يُخشى إلّا عَدلُهُ ، اُمنُن عَلَيَّ بِفَضلِكَ ، ولا تَستَقصِ عَلَيَّ في عَدلِكَ .
سَيِّدي ، أدعوكَ دُعاءَ مُلِحٍّ لا يَمَلُّ مَولاهُ ، وأَتَضَرَّعُ إلَيكَ تَضَرُّعَ مَن أقَرَّ عَلى نَفسِهِ بِالحُجَّةِ في دَعواهُ ، وخَضَعَ لَكَ خُضوعَ مَن يُؤَمِّلُكَ لِآخِرَتِهِ ودُنياهُ ، فَلا تَقطَع عِصمَةَ رَجائي ، وَاسمَع تَضَرُّعي ، وَاقبَل دُعائي ، وثَبِّت حُجَّتي عَلى ما اُثبِتُ مِن دَعوايَ .
سَيِّدي ، لَو عَرَفتُ اعتِذاراً مِنَ الذَّنبِ لَأَتَيتُهُ ، فَأَنَا المُقِرُّ بِما أحصَيتَهُ وجَنَيتُهُ ، وخالَفتُ أمرَكَ فيهِ فَتَعَدَّيتُهُ ، فَهَب لي ذَنبي بِالاِعتِرافِ ، ولا تَرُدَّني في طَلِبَتي عِندَ الاِنصِرافِ .
سَيِّدي ، قَد أصَبتُ مِنَ الذُّنوبِ ما قَد عَرَفتَ ، وأَسرَفتُ عَلى نَفسي بِما قَد عَلِمتَ ، فَاجعَلني عَبداً إمّا طائِعاً فَأَكرَمتَهُ ، وإمّا عاصِياً فَرَحِمتَهُ .
سَيِّدي ، كَأَنّي بِنَفسي قَد اُضجِعَت بِقَعرِ حُفرَتِها ، وَانصَرَفَ عَنهَا المُشَيِّعونَ مِن جيرَتِها ، وبَكى عَلَيهَا الغَريبُ لِطولِ غُربَتِها ، وجادَ عَلَيها بِالدُّموعِ المُشفِقُ مِن عَشيرَتِها ، وناداها مِن شَفيرِ القَبرِ ذو مَوَدَّتِها ، ورَحِمَهَا المُعادي لَها فِي الحَياةِ عِندَ صَرعَتِها ، ولَم يَخفَ عَلَى النّاظِرينَ إلَيها فَرطُ فاقَتِها ، ولا عَلى مَن قَد رَآها تَوَسَّدَتِ الثّرى عَجزُ حيلَتِها ، فَقُلتَ : مَلائِكَتي ، فَريدٌ نَأى عَنهُ الأَقرَبونَ ، وبَعيدٌ جَفاهُ الأَهلونَ ، ووَحيدٌ فارَقَهُ المالُ وَالبَنونَ ، نَزَلَ بي قَريباً ، وسَكَنَ اللَّحدَ غَريباً ، وكانَ لي في دارِ الدُّنيا داعِياً ، ولِنَظَري لَهُ في هذَا اليَومِ راجِياً ، فَتُحسِنُ عِندَ ذلِكَ ضِيافَتي ، وتَكونُ أشفَقَ عَلَيَّ مِن أهلي وقَرابَتي .
إلهي وسَيِّدي ! لَو أطبَقَت ذُنوبي ما بَينَ ثَرَى الأَرضِ إلى أعنانِ السَّماءِ ، وخَرَقَتِ