جَدواكَ ، ووَجهُ طَلِبَتي مُنصَرِفٌ عَمَّن سِواكَ ، وأَنتَ المَليءُ بِتَيسيرِ الطَّلِباتِ ، وَالوَفِيُّ بِتَكثيرِ الرَّغَباتِ ، فَأَنجِح لِيَ المَطلوبَ مِن فَضلِكَ بِرَحمَتِكَ ، وَاسمَح لي بِالمَرغوبِ فيهِ مِن بَذلِكَ بِنِعمَتِكَ .
سَيِّدي ، ضَعُفَ جِسمي ، ودَقَّ عَظمي ، وكَبُرَ سِنّي ، ونالَ الدَّهرُ مِنّي ، ونَفَدَت مُدَّتي ، وذَهَبَت شَهوَتي ، وبَقِيَت تَبِعَتي ، فَجُد بِحِلمِكَ عَلى جَهلي ، وبِعَفوِكَ عَلى قَبيحِ فِعلي ، ولا تُؤاخِذني بِما كَسَبتُ مِنَ الذُّنوبِ العِظامِ في سالِفِ الأَيّامِ .
سَيِّدي ، أنَا المُعتَرِفُ بِإِساءَتي ، المُقِرُّ بِخَطائي ، المَأسورُ بِإِجرامي ، المُرتَهَنُ بِآثامي ، المُتَهَوِّرُ بِإِساءَتي ، المُتَحَيِّرُ عَن قَصدِ طَريقِي ، انقَطَعَت مَقالَتي ، وضَلَّ عُمُري ، وبَطَلَت حُجَّتي في عَظيمِ وِزري ، فَامنُن عَلَيَّ بِكَريمِ غُفرانِكَ ، وَاسمَح لي بِعَظيمِ إحسانِكَ ، فَإِنَّكَ ذو مَغفِرَةٍ لِلطّالِبينَ ، شَديدُ العِقابِ لِلمُجرِمينَ .
سَيِّدي ، إن كانَ صَغُرَ في جَنبِ طاعَتِكَ عَمَلي ، فَقَد كَبُرَ في جَنبِ رَجائِكَ أمَلي ، سَيِّدي ، كَيفَ أنقَلِبُ مِن عِندِكَ بِالخَيبَةِ مَحروماً ، وظَنّي بِكَ أنَّكَ تَقلِبُني بِالنَّجاةِ مَرحوماً ؟ !
سَيِّدي ، لَم اُسَلِّط عَلى حُسنِ ظَنّي بِكَ قُنوطَ الآيِسينَ ، فَلا تُبطِل لي صِدقَ رَجائي لَكَ فِي الآمِلينَ .
سَيِّدي ، عَظُمَ جُرمي إذ بارَزتُكَ بِاكتِسابِهِ ، وكَبُرَ ذَنبي إذ جاهَرتُكَ بِارتِكابِهِ ، إلّا أنَّ عَظيمَ عَفوِكَ يَسَعُ المُعتَرِفينَ ، وجَسيمَ غُفرانِكَ يَعُمُّ التَّوّابينَ .
سَيِّدي ، إن دَعاني إلَى النّارِ مَخشِيُّ عِقابِكَ ، فَقَد دَعاني إلَى الجَنَّةِ مَرجُوُّ ثَوابِكَ .
سَيِّدي ، إن أوحَشَتنِي الخَطايا مِن مَحاسِنِ لُطفِكَ ، فَقَد آنَسَنِي اليَقينُ بِمَكارِمِ عَطفِكَ ، وإن أنامَتنِي الغَفلَةُ عَنِ الاِستِعدادِ لِلِقائِكَ ، فَقَد أيقَظَتنِي المَعرِفَةُ بِقَديمِ آلائِكَ ، وإن عَزَبَ عَنّي تَقديمٌ لِما يُصلِحُني ۱ ، فَلَم يَعزُب إيقاني بِنَظَرِكَ إلَيَّ فيما يَنفَعُني ، وإنِ انقَرَضَت بِغَيرِ ما أحبَبتَ مِنَ السَّعيِ أيّامي ، فَبِالإِيمانِ أمضَيتُ السّالِفاتِ مِن أعوامي .