لَم يَجعَل في أحَدٍ مِن مَعرِفَةِ إدراكِهِ أكثَرَ مِنَ العِلمِ بِأَ نَّهُ لا يُدرِكُهُ ، فَشَكَرَ عَزَّ وجَلَّ مَعرِفَةَ العارِفينَ بِالتَّقصيرِ عَن مَعرِفَتِهِ ، وجَعَلَ مَعرِفَتَهُم بِالتَّقصيرِ شُكراً ، كَما جَعَلَ عِلمَ العالِمينَ أنَّهُم لا يُدرِكونَهُ إيماناً ، عِلماً مِنهُ أنَّهُ قَدرُ وُسعِ العِبادِ ، فَلا يُجاوِزونَ ذلِكَ .
وقالَ عليه السلام :
سُبحانَ مَن جَعَلَ الاِعتِرافَ بِالنِّعمَةِ لَهُ حَمداً ، سُبحانَ مَن جَعَلَ الاِعتِرافَ بِالعَجزِ عَنِ الشُّكرِ شُكراً . ۱
۳۰۰.الإمام زين العابدين عليه السلام - مِن دُعائِهِ إذَا اعتَرَفَ بِالتَّقصيرِ عَن تَأدِيَةِ الشُّكرِ - :
اللَّهُمَّ إنَّ أحَداً لا يَبلُغُ مِن شُكرِكَ غايَةً إلّا حَصَلَ عَلَيهِ مِن إحسانِكَ ما يُلزِمُهُ شُكراً ، ولا يَبلُغُ مَبلَغاً مِن طاعَتِكَ وإنِ اجتَهَدَ إلّا كانَ مُقَصِّراً دونَ استِحقاقِكَ بِفَضلِكَ ، فَأَشكَرُ عِبادِكَ عاجِزٌ عَن شُكرِكَ ، وأَعبَدُهُم مُقَصِّرٌ عَن طاعَتِكَ .
لا يَجِبُ لِأَحَدٍ أن تَغفِرَ لَهُ بِاستِحقاقِهِ ، ولا أن تَرضى عَنهُ بِاستيجابِهِ ، فَمَن غَفَرتَ لَهُ فَبِطَولِكَ ، ومَن رَضيتَ عَنهُ فَبِفَضلِكَ ، تَشكُرُ يَسيرَ ما شَكَرتَهُ ۲ ، وتُثيبُ عَلى قَليلِ ما تُطاعُ فيهِ ، حَتّى كَأَنَّ شُكرَ عِبادِكَ الَّذي أوجَبتَ عَلَيهِ ثَوابَهُم ، وأَعظَمتَ عَنهُ جَزاءَهُم ، أمرٌ مَلَكُوا استِطاعَةَ الاِمتِناعِ مِنهُ دونَكَ فَكافَيتَهُم ، أو لَم يَكُن سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجازَيتَهُم ؟ ! بَل مَلَكتَ يا إلهي أمرَهُم قَبلَ أن يَملِكوا عِبادَتَكَ ، وأَعدَدتَ ثَوابَهُم قَبلَ أن يُفيضوا في طاعَتِكَ ؛ وذلِكَ أنَّ سُنَّتَكَ الإِفضالُ ، وعادَتَكَ الإِحسانُ ، وسَبيلَكَ العَفوُ .
فَكُلُّ البَرِيَّةِ مُعتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيرُ ظالِمٍ لِمَن عاقَبتَ ، وشاهِدَةٌ بِأَ نَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلى مَن عافَيتَ ، وكُلٌّ مُقِرٌّ عَلى نَفسِهِ بِالتَّقصيرِ عَمَّا استَوجَبتَ ؛ فَلَولا أنَّ الشَّيطانَ يَختَدِعُهُم عَن