243
کنز الدعاء المجلد الاول

طاعَتِكَ ما عَصاكَ عاصٍ ، ولَولا أنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الباطِلَ فِي مِثالِ الحَقِّ ما ضَلَّ عَن طَريقِكَ ضالٌّ .
فَسُبحانَكَ ! ما أبيَنَ كَرَمَكَ في مُعامَلَةِ مَن أطاعَكَ أو عَصاكَ ، تَشكُرُ لِلمُطيعِ ما أنتَ تَوَلَّيتَهُ لَهُ ، وتُملي لِلعاصي فيما تَمِلكُ مُعاجَلَتَهُ فيهِ ، أعطَيتَ كُلّاً مِنهُما ما لَم يَجِب لَهُ ، وتَفَضَّلتَ عَلى‏ كُلٍّ مِنهُما بِما يَقصُرُ عَمَلُهُ عَنهُ .
ولَو كافَأتَ المُطيعَ عَلى‏ ما أنتَ تَوَلَّيتَهُ لَأَوشَكَ أن يَفقِدَ ثَوابَكَ ، وأَن تَزولَ عَنهُ نِعمَتُكَ ، ولكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جازَيتَهُ عَلَى المُدَّةِ القَصيرَةِ الفانِيَةِ بِالمُدَّةِ الطَّويلَةِ الخالِدَةِ ، وعَلَى الغايَةِ القَريبَةِ الزّائِلَةِ بِالغايَةِ المَديدَةِ الباقِيَةِ ، ثُمَّ لَم تَسُمهُ القِصاصَ ۱ فيما أكَلَ مِن رِزقِكَ الَّذي يَقوى‏ بِهِ عَلى‏ طاعَتِكَ ، ولَم تَحمِلهُ عَلَى المُناقَشاتِ فِي الآلاتِ الَّتي تَسَبَّبَ بِاستِعمالِها إلى‏ مَغفِرَتِكَ ، ولَو فَعَلتَ ذلِكَ بِهِ لَذَهَبَ بِجَميعِ ما كَدَحَ لَهُ ، وجُملَةِ ما سَعى‏ فيهِ ، جَزاءً لِلصُّغرى‏ مِن أياديكَ ومِنَنِكَ ، ولَبَقِيَ رَهيناً بَينَ يَدَيكَ بِسائِرِ نِعَمِكَ ، فَمَتى‏ كانَ يَستَحِقُّ شَيئاً مِن ثَوابِكَ ؟ ! لا ! مَتى‏ ؟ !
هذا يا إلهي حالُ مَن أطاعَكَ ، وسَبيلُ مَن تَعَبَّدَ لَكَ ، فَأَمَّا العاصي أمرَكَ وَالمُواقِعُ نَهيَكَ ، فَلَم تُعاجِلهُ بِنَقِمَتِكَ ، لِكَي يَستَبدِلَ بِحالِهِ في مَعصِيَتِكَ حالَ الإِنابَةِ إلى‏ طاعَتِكَ ، ولَقَد كانَ يَستَحِقُّ في أوَّلِ ما هَمَّ بِعِصيانِكَ كُلَّ ما أعدَدتَ لِجَميعِ خَلقِكَ مِن عُقوبَتِكَ ، فَجَميعُ ما أخَّرتَ عَنهُ مِنَ العَذابِ ، وأَبطَأتَ بِهِ عَلَيهِ مِن سَطَواتِ النَّقِمَةِ وَالعِقابِ ، تَركٌ مِن حَقِّكَ ، ورِضىً بِدونِ واجِبِكَ .
فَمَن أكرَمُ يا إلهي مِنكَ ؟ ! ومَن أشقى‏ مِمَّن هَلَكَ عَلَيكَ ؟ لا ! مَن ؟ فَتَبارَكتَ أن توصَفَ إلّا بِالإِحسانِ ، وكَرُمتَ أن يُخافَ مِنكَ إلَّا العَدلُ ، لا يُخشى‏ جَورُكَ عَلى‏ مَن عَصاكَ ، ولا

1.أي لم تُرِدهُ منه . قال في الأساس : ومن المجاز : سُمتُ المرأةَ المعانَقَةَ : أردتُها منها وعرضتها عليها (رياض السالكين : ج ۵ ص ۲۵۶) .


کنز الدعاء المجلد الاول
242

لَم يَجعَل في أحَدٍ مِن مَعرِفَةِ إدراكِهِ أكثَرَ مِنَ العِلمِ بِأَ نَّهُ لا يُدرِكُهُ ، فَشَكَرَ عَزَّ وجَلَّ مَعرِفَةَ العارِفينَ بِالتَّقصيرِ عَن مَعرِفَتِهِ ، وجَعَلَ مَعرِفَتَهُم بِالتَّقصيرِ شُكراً ، كَما جَعَلَ عِلمَ العالِمينَ أنَّهُم لا يُدرِكونَهُ إيماناً ، عِلماً مِنهُ أنَّهُ قَدرُ وُسعِ العِبادِ ، فَلا يُجاوِزونَ ذلِكَ .
وقالَ عليه السلام :
سُبحانَ مَن جَعَلَ الاِعتِرافَ بِالنِّعمَةِ لَهُ حَمداً ، سُبحانَ مَن جَعَلَ الاِعتِرافَ بِالعَجزِ عَنِ الشُّكرِ شُكراً . ۱

۳۰۰.الإمام زين العابدين عليه السلام - مِن دُعائِهِ إذَا اعتَرَفَ بِالتَّقصيرِ عَن تَأدِيَةِ الشُّكرِ - :
اللَّهُمَّ إنَّ أحَداً لا يَبلُغُ مِن شُكرِكَ غايَةً إلّا حَصَلَ عَلَيهِ مِن إحسانِكَ ما يُلزِمُهُ شُكراً ، ولا يَبلُغُ مَبلَغاً مِن طاعَتِكَ وإنِ اجتَهَدَ إلّا كانَ مُقَصِّراً دونَ استِحقاقِكَ بِفَضلِكَ ، فَأَشكَرُ عِبادِكَ عاجِزٌ عَن شُكرِكَ ، وأَعبَدُهُم مُقَصِّرٌ عَن طاعَتِكَ .
لا يَجِبُ لِأَحَدٍ أن تَغفِرَ لَهُ بِاستِحقاقِهِ ، ولا أن تَرضى‏ عَنهُ بِاستيجابِهِ ، فَمَن غَفَرتَ لَهُ فَبِطَولِكَ ، ومَن رَضيتَ عَنهُ فَبِفَضلِكَ ، تَشكُرُ يَسيرَ ما شَكَرتَهُ ۲ ، وتُثيبُ عَلى‏ قَليلِ ما تُطاعُ فيهِ ، حَتّى‏ كَأَنَّ شُكرَ عِبادِكَ الَّذي أوجَبتَ عَلَيهِ ثَوابَهُم ، وأَعظَمتَ عَنهُ جَزاءَهُم ، أمرٌ مَلَكُوا استِطاعَةَ الاِمتِناعِ مِنهُ دونَكَ فَكافَيتَهُم ، أو لَم يَكُن سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجازَيتَهُم ؟ ! بَل مَلَكتَ يا إلهي أمرَهُم قَبلَ أن يَملِكوا عِبادَتَكَ ، وأَعدَدتَ ثَوابَهُم قَبلَ أن يُفيضوا في طاعَتِكَ ؛ وذلِكَ أنَّ سُنَّتَكَ الإِفضالُ ، وعادَتَكَ الإِحسانُ ، وسَبيلَكَ العَفوُ .
فَكُلُّ البَرِيَّةِ مُعتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيرُ ظالِمٍ لِمَن عاقَبتَ ، وشاهِدَةٌ بِأَ نَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلى‏ مَن عافَيتَ ، وكُلٌّ مُقِرٌّ عَلى‏ نَفسِهِ بِالتَّقصيرِ عَمَّا استَوجَبتَ ؛ فَلَولا أنَّ الشَّيطانَ يَختَدِعُهُم عَن

1.تحف العقول : ص ۲۸۳ ، الكافي : ج ۸ ص ۳۹۴ ح ۵۹۲ نحوه وليس فيه ذيله ، بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۱۴۱ ح ۳۶ و ۳۷ .

2.قد تواترت النسخ المشهورة من الصحيفة بضبط «شَكَرتَهُ» ... فالمعنى : تشكر يسير ما قبلته من العمل، وأثنيت عليه ، أي تجازي بالكثير عليه (رياض السالكين : ج ۵ ص ۲۳۸) .

  • نام منبع :
    کنز الدعاء المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدی‌ ری‌شهری، با همکاری رسول افقی
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 26086
صفحه از 579
پرینت  ارسال به