مُحَمَّدٍ ، وَاغفِر لي ما قَد خَفِيَ عَلَى النّاسِ مِن أمري . . .
إلهي ! كَأَنّي بِنَفسي وقَد اُضجِعَت في حُفرَتِها ، وَانصَرَفَ عَنهَا المُشَيِّعونَ مِن جِيرَتِها ، وبَكَى الغَريبُ عَلَيها لِغُربَتِها ، وجادَ بِالدُّموعِ عَلَيهَا المُشفِقونَ مِن عَشيرَتِها ، وناداها مِن شَفيرِ ۱ القَبرِ ذَوُو مَوَدَّتِها ، ورَحِمَهَا المُعادي لَها فِي الحَياةِ عِندَ صَرعَتِها ، ولَم يَخفَ عَلَى النّاظِرينَ إلَيها عِندَ ذلِكَ ضُرُّ فاقَتِها ، ولا عَلى مَن رَآها قَد تَوَسَّدَتِ الثَّرى عَجزُ حيلَتِها ، فَقُلتَ: مَلائِكَتي ، فَريدٌ نَأى ۲ عَنهُ الأَقرَبونَ ، ووَحيدٌ جَفاهُ الأَهلونَ ، نَزَلَ بي قَريباً ، وأَصبَحَ فِي اللَّحدِ غَريباً ، وقَد كانَ لي في دارِ الدُّنيا داعِياً ، ولِنَظَري إلَيهِ في هذَا اليَومِ راجِياً ، فَتُحسِنُ عِندَ ذلِكَ ضِيافَتي ، وتَكونُ أرحَمَ بي مِن أهلي وقَرابَتي . . .
إلهي ! لَقَد رَجَوتُ مِمَّن ألبَسَني بَينَ الأَحياءِ ثَوبَ عافِيَتِهِ ، أن لا يُعرِيَني مِنهُ بَينَ الأَمواتِ بِجودِ رَأفَتِهِ ، ولَقَد رَجَوتُ مِمَّن تَوَلّاني في حَياتي بِإِحسانِهِ أن يَشفَعَهُ لِي عِندَ وَفاتي بِغُفرانِهِ .
يا أنيسَ كُلِّ غَريبٍ آنِس فِي القَبرِ غُربَتي ، ويا ثانِيَ كُلِّ وَحيدٍ ، ارحَم فِي القَبرِ وَحدَتي ، ويا عالِمَ السِّرِّ وَالنَّجوى ، ويا كاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلوى ، كَيفَ نَظَرُكَ لي بَينَ سُكّانِ الثَّرى ، وكَيفَ صَنيعُكَ إلَيَّ في دارِ الوَحشَةِ وَالبِلى ، فَقَد كُنتَ بي لَطيفاً أيّامَ حَياةِ الدُّنيا . ۳
۲۸۷.الإمام عليّ عليه السلام - فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ - :
اللَّهُمَّ إنّي أرى لَدَيَّ مِن فَضلِكَ ما لَم أسأَلكَ ، فَعَلِمتُ أنَّ لَدَيكَ مِنَ الرَّحمَةِ ما لا أعلَمُ ، فَصَغُرَت قيمَةُ مَطلَبي فيما عايَنتُ ، وقَصُرَت غايَةُ أمَلي عِندَما رَجَوتُ ، فَإِن ألحَفتُ ۴ في
1.شفير : جانب ( النهاية : ج ۲ ص ۴۸۵ « شفر » ) .
2.نأى : تباعَدَ ( مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۷۴۱ « ناى » ) .
3.المصباح للكفعمي : ص ۴۸۵ - ۴۹۷ ، البلد الأمين : ص ۳۱۲ - ۳۱۸ كلاهما عن الإمام العسكري عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج ۹۴ ص ۱۰۰ - ۱۰۸ ح ۱۴ ؛ دستور معالم الحكم : ص ۱۳۱ - ۱۴۰ عن عبد اللَّه الأسدي نحوه .
4.ألحَفَ : ألَحَّ (المصباح المنير : ص ۵۵۱ «لحف») .