حينَئِذٍ موقِنٌ بِأَنَّ مُنتَهى دَعوَتِكَ إلَى الجَنَّةِ ، ومُنتَهى دَعوَتِهِ إلَى النّارِ .
سُبحانَكَ ، ما أعجَبَ ما أشهَدُ بِهِ عَلى نَفسي ، واُعَدِّدُهُ مِن مَكتومِ أمري ، وأَعجَبُ مِن ذلِكَ أناتُكَ عَنّي ، وإبطاؤُكَ عَن مُعاجَلَتي ، ولَيسَ ذلِكَ مِن كَرَمي عَلَيكَ ، بَل تَأَنِّياً مِنكَ لي ، وتَفَضُّلاً مِنكَ عَلَيَّ لِأَن أرتَدِعَ عَن مَعصِيَتِكَ المُسخِطَةِ ، واُقلِعَ عَن سَيِّئاتِيَ المُخلِقَةِ ، ولِأَنَّ عَفوَكَ عَنّي أحَبُّ إلَيكَ مِن عُقوبَتي . بَل أنَا - يا إلهي - أكثَرُ ذُنوباً ، وأَقبَحُ آثاراً ، وأَشنَعُ أفعالاً ، وأَشَدُّ فِي الباطِلِ تَهَوُّراً ، وأَضعَفُ عِندَ طاعَتِكَ تَيَقُّظاً ، وأَقَلُّ لِوَعيدِكَ انتِباهاً وَارتِقاباً مِن أن اُحصِيَ لَكَ عُيوبي ، أو أقدِرَ عَلى ذِكرِ ذُنوبي .
وإنَّما اُوَبِّخُ بِهذا نَفسي طَمَعاً في رَأفَتِكَ الَّتي بِها صَلاحُ أمرِ المُذنِبينَ ، ورَجاءً لِرَحمَتِكَ الَّتي بِها فَكاكُ رِقابِ الخاطِئينَ .
اللَّهُمَّ وهذِهِ رَقَبَتي قَد أرَقَّتهَا الذُّنوبُ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وأَعتِقها بِعَفوِكَ ، وهذا ظَهري قَد أثقَلَتهُ الخَطايا ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وخَفِّف عَنهُ بِمَنِّكَ .
يا إلهي ، لَو بَكَيتُ إلَيكَ حَتّى تَسقُطَ أشفارُ عَينَيَّ ، وَانتَحَبتُ حَتّى يَنقَطِعَ صَوتي ، وقُمتُ لَكَ حَتّى تَتَنَشَّرَ قَدَمايَ ، ورَكَعتُ لَكَ حَتّى يَنخَلِعَ صُلبي ، وسَجَدتُ لَكَ حَتّى تَتَفَقَّأَ ۱ حَدَقَتايَ ، وأَكَلتُ تُرابَ الأَرضِ طولَ عُمُري ، وشَرِبتُ ماءَ الرَّمادِ آخِرَ دَهري ، وذَكَرتُكَ في خِلالِ ذلِكَ حَتّى يَكِلَّ لِساني ، ثُمَّ لَم أرفَع طَرفي إلى آفاقِ السَّماءِ استِحياءً مِنكَ ، مَا استَوجَبتُ بِذلِكَ مَحوَ سَيِّئَةٍ واحِدَةٍ مِن سَيِّئاتي .
وإن كُنتَ تَغفِرُ لي حينَ أستَوجِبُ مَغفِرَتَكَ ، وتَعفو عَنّي حينَ أستَحِقُّ عَفوَكَ ، فَإِنَّ ذلِكَ غَيرُ واجِبٍ لي بِاستِحقاقٍ ، ولا أنَا أهلٌ لَهُ بِاستيجابٍ ، إذ كانَ جَزائي مِنكَ في أوَّلِ ما عَصَيتُكَ النّارَ ، فَإِن تُعَذِّبني فَأَنتَ غَيرُ ظالِمٍ لي .
إلهي ، فَإِذ قَد تَغَمَّدتَني بِسِترِكَ فَلَم تَفضَحني ، وتَأَ نَّيتَني بِكَرَمِكَ فَلَم تُعاجِلني ،