201
کنز الدعاء المجلد الاول

حينَئِذٍ موقِنٌ بِأَنَّ مُنتَهى‏ دَعوَتِكَ إلَى الجَنَّةِ ، ومُنتَهى‏ دَعوَتِهِ إلَى النّارِ .
سُبحانَكَ ، ما أعجَبَ ما أشهَدُ بِهِ عَلى‏ نَفسي ، واُعَدِّدُهُ مِن مَكتومِ أمري ، وأَعجَبُ مِن ذلِكَ أناتُكَ عَنّي ، وإبطاؤُكَ عَن مُعاجَلَتي ، ولَيسَ ذلِكَ مِن كَرَمي عَلَيكَ ، بَل تَأَنِّياً مِنكَ لي ، وتَفَضُّلاً مِنكَ عَلَيَّ لِأَن أرتَدِعَ عَن مَعصِيَتِكَ المُسخِطَةِ ، واُقلِعَ عَن سَيِّئاتِيَ المُخلِقَةِ ، ولِأَنَّ عَفوَكَ عَنّي أحَبُّ إلَيكَ مِن عُقوبَتي . بَل أنَا - يا إلهي - أكثَرُ ذُنوباً ، وأَقبَحُ آثاراً ، وأَشنَعُ أفعالاً ، وأَشَدُّ فِي الباطِلِ تَهَوُّراً ، وأَضعَفُ عِندَ طاعَتِكَ تَيَقُّظاً ، وأَقَلُّ لِوَعيدِكَ انتِباهاً وَارتِقاباً مِن أن اُحصِيَ لَكَ عُيوبي ، أو أقدِرَ عَلى‏ ذِكرِ ذُنوبي .
وإنَّما اُوَبِّخُ بِهذا نَفسي طَمَعاً في رَأفَتِكَ الَّتي بِها صَلاحُ أمرِ المُذنِبينَ ، ورَجاءً لِرَحمَتِكَ الَّتي بِها فَكاكُ رِقابِ الخاطِئينَ .
اللَّهُمَّ وهذِهِ رَقَبَتي قَد أرَقَّتهَا الذُّنوبُ ، فَصَلِّ عَلى‏ مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وأَعتِقها بِعَفوِكَ ، وهذا ظَهري قَد أثقَلَتهُ الخَطايا ، فَصَلِّ عَلى‏ مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وخَفِّف عَنهُ بِمَنِّكَ .
يا إلهي ، لَو بَكَيتُ إلَيكَ حَتّى‏ تَسقُطَ أشفارُ عَينَيَّ ، وَانتَحَبتُ حَتّى‏ يَنقَطِعَ صَوتي ، وقُمتُ لَكَ حَتّى‏ تَتَنَشَّرَ قَدَمايَ ، ورَكَعتُ لَكَ حَتّى‏ يَنخَلِعَ صُلبي ، وسَجَدتُ لَكَ حَتّى‏ تَتَفَقَّأَ ۱ حَدَقَتايَ ، وأَكَلتُ تُرابَ الأَرضِ طولَ عُمُري ، وشَرِبتُ ماءَ الرَّمادِ آخِرَ دَهري ، وذَكَرتُكَ في خِلالِ ذلِكَ حَتّى‏ يَكِلَّ لِساني ، ثُمَّ لَم أرفَع طَرفي إلى‏ آفاقِ السَّماءِ استِحياءً مِنكَ ، مَا استَوجَبتُ بِذلِكَ مَحوَ سَيِّئَةٍ واحِدَةٍ مِن سَيِّئاتي .
وإن كُنتَ تَغفِرُ لي حينَ أستَوجِبُ مَغفِرَتَكَ ، وتَعفو عَنّي حينَ أستَحِقُّ عَفوَكَ ، فَإِنَّ ذلِكَ غَيرُ واجِبٍ لي بِاستِحقاقٍ ، ولا أنَا أهلٌ لَهُ بِاستيجابٍ ، إذ كانَ جَزائي مِنكَ في أوَّلِ ما عَصَيتُكَ النّارَ ، فَإِن تُعَذِّبني فَأَنتَ غَيرُ ظالِمٍ لي .
إلهي ، فَإِذ قَد تَغَمَّدتَني بِسِترِكَ فَلَم تَفضَحني ، وتَأَ نَّيتَني بِكَرَمِكَ فَلَم تُعاجِلني ،

1.الفق‏ء - بالهمزة - : الشقّ (مجمع البحرين : ج ۳ ص «فقأ») .


کنز الدعاء المجلد الاول
200

وأَ نَا الَّذي بِجَهلِهِ عَصاكَ ، ولَم تَكُن أهلاً مِنهُ لِذاكَ .
هَل أنتَ - يا إلهي - راحِمٌ مَن دَعاكَ فَاُبلِغَ فِي الدُّعَاءِ ، أم أنتَ غافِرٌ لِمَن بَكاكَ فَاُسرِعَ فِي البُكاءِ ، أم أنتَ مُتَجاوِزٌ عَمَّن عَفَّرَ لَكَ وَجهَهُ تَذَلُّلاً ، أم أنتَ مُغنٍ مَن شَكا إلَيكَ فَقرَهُ تَوَكُّلاً .
إلهي ، لا تُخَيِّب مَن لا يَجِدُ مُعطِياً غَيرَكَ ، ولا تَخذُل مَن لا يَستَغني عَنكَ بِأَحَدٍ دونَكَ .
إلهي ، فَصَلِّ عَلى‏ مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ولا تُعرِض عَنّي وقَد أقبَلتُ عَلَيكَ ، ولا تَحرِمني وقَد رَغِبتُ إلَيكَ ، ولا تَجبَهني بِالرَّدِّ وقَدِ انتَصَبتُ بَينَ يَدَيكَ .
أنتَ الَّذي وَصَفتَ نَفسَكَ بِالرَّحمَةِ ، فَصَلِّ عَلى‏ مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وَارحَمني ، وأَنتَ الَّذي سَمَّيتَ نَفسَكَ بِالعَفوِ فَاعفُ عَنّي .
قَد تَرى‏ - يا إلهي - فَيضَ دَمعي مِن خِيفَتِكَ ، ووَجيبَ قَلبي مِن خَشيَتِكَ ، وَانتِفاضَ جَوارِحي مِن هَيبَتِكَ ، كُلُّ ذلِكَ حَياءٌ مِنكَ لِسوءِ عَمَلي ، ولِذاكَ خَمَدَ صَوتي عَنِ الجَأرِ ۱ إلَيكَ ، وكَلَّ لِساني عَن مُناجاتِكَ . يا إلهي فَلَكَ الحَمدُ ، فَكَم مِن عائِبَةٍ سَتَرتَها عَلَيَّ فَلَم تَفضَحني ، وكَم مِن ذَنبٍ غَطَّيتَهُ عَلَيَّ فَلَم تَشهَرني ، وكَم مِن شائِبَةٍ ۲ ألمَمتُ بِها فَلَم تَهتِك عَنّي سِترَها ، ولَم تُقَلِّدني مَكروهَ شَنارِها ۳ ، ولَم تُبدِ سَوءاتِها لِمَن يَلتَمِسُ مَعايِبي مِن جِيرَتي ، وحَسَدَةِ نِعمَتِكَ عِندي ، ثُمَّ لَم يَنهَني ذلِكَ عَن أن جَرَيتُ إلى‏ سوءِ ما عَهِدتَ مِنّي .
فَمَن أجهَلُ مِنّي - يا إلهي - بِرُشدِهِ ، ومَن أغفَلُ مِنّي عَن حَظِّهِ ، ومَن أبعَدُ مِنّي مِنِ استِصلاحِ نَفسِهِ حينَ اُنفِقُ ما أجرَيتَ عَلَيَّ مِن رِزقِكَ فيما نَهَيتَني عَنهُ مِن مَعصِيَتِكَ ، ومَن أبعَدُ غَوراً فِي الباطِلِ ، وأَشَدُّ إقداماً عَلَى السُّوءِ مِنّي حينَ أقِفُ بَينَ دَعوَتِكَ ودَعوَةِ الشَّيطانِ ، فَأَتَّبِعُ دَعوَتَهُ عَلى‏ غَيرِ عَمىً مِنّي في مَعرِفَةٍ بِهِ ولا نِسيانٍ مِن حِفظي لَهُ ، وأَ نَا

1.جَأَر الرجلُ إلى اللَّه عزّ وجّل إذا تضرّع بالدعاء (لسان العرب : ج ۴ ص ۱۱۲ «جأر») .

2.الشَّائِبَة : واحِدة الشَّوائِبِ ، وهي الأَقذارُ والأَدناسُ (لسان العرب : ج ۱ ص ۵۱۲ «شوب») .

3.الشَّنار : العيب والعارُ (لسان العرب : ج ۴ ص ۴۳۰ «شنر») .

  • نام منبع :
    کنز الدعاء المجلد الاول
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدی‌ ری‌شهری، با همکاری رسول افقی
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 26532
صفحه از 579
پرینت  ارسال به