ودُعائي خاضِعاً لِرُبوبِيَّتِكَ ، هَيهاتَ أنتَ أكرَمُ مِن أن تُضَيِّعَ مَن رَبَّيتَهُ ، أو تُبَعِّدَ مَن أدنَيتَهُ ، أو تُشَرِّدَ مَن آوَيتَهُ ، أو تُسَلِّمَ إلَى البَلاءِ مَن كَفَيتَهُ ورَحِمتَهُ !
ولَيتَ شِعري يا سَيِّدي وإلهي ومَولايَ ! أ تُسَلِّطُ النّارَ عَلى وُجوهٍ خَرَّت لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً ، وعَلى ألسُنٍ نَطَقَت بِتَوحيدِكَ صادِقَةً ، وبِشُكرِكَ مادِحَةً ، وعَلى قُلوبٍ اعتَرَفَت بِإِلهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً ، وعَلى ضَمائِرَ حَوَت مِنَ العِلمِ بِكَ حَتّى صارَت خاشِعَةً ، وعَلى جَوارِحَ سَعَت إلى أوطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً ، وأَشارَت بِاستِغفارِكَ مُذعِنَةً ؟ ! ما هكَذَا الظَّنُّ بِكَ ، ولا اُخبِرنا بِفَضلِكَ عَنكَ ، يا كَريمُ ، يا رَبِّ وأَنتَ تَعلَمُ ضَعفي عَن قَليلٍ مِن بَلاءِ الدُّنيا وعُقوباتِها ، وما يَجري فيها مِنَ المَكارِهِ عَلى أهلِها ، عَلى أنَّ ذلِكَ بَلاءٌ ومَكروهٌ قَليلٌ مَكثُهُ ، يَسيرٌ بَقاؤُهُ ، قَصيرٌ مُدَّتُهُ ، فَكَيفَ احتِمالي لِبَلاءِ الآخِرَةِ ، وجَليلِ وُقوعِ المَكارِهِ فيها ؟ ! وهُوَ بَلاءٌ تَطولُ مُدَّتُهُ ، ويَدومُ مَقامُهُ ، ولا يُخَفَّفُ عَن أهلِهِ ، لِأَ نَّهُ لا يَكونُ إلّا عَن غَضَبِكَ وَانتِقامِكَ وسَخَطِكَ ، وهذا ما لا تَقومُ لَهُ السَّماواتُ وَالأَرضُ ، يا سَيِّدي فَكَيفَ بي وأَ نَا عَبدُكَ الضَّعيفُ ، الذَّليلُ الحَقيرُ ، المِسكينُ المُستَكينُ ؟ !
يا إلهي ورَبّي وسَيِّدي ومَولايَ ، لِأَيِّ الاُمورِ إلَيكَ أشكو ، ولِما مِنها أضِجُّ وأَبكي ؟ ! لِأَليمِ العَذابِ وشِدَّتِهِ ، أم لِطولِ البَلاءِ ومُدَّتِهِ ، فَلَئِن صَيَّرتَني فِي العُقوباتِ ۱ مَعَ أعدائِكَ ، وجَمَعتَ بَيني وبَينَ أهلِ بَلائِكَ ، وفَرَّقتَ بَيني وبَينَ أحِبّائِكَ وأَولِيائِكَ ، فَهَبني - يا إلهي وسَيِّدي ومَولايَ ورَبّي - صَبَرتُ عَلى عَذابِكَ ، فَكَيفَ أصبِرُ عَلى فِراقِكَ ؟ وَهبني صَبَرتُ عَلى حَرِّ نارِكَ ، فَكَيفَ أصبِرُ عَنِ النَّظَرِ إلى كَرامَتِكَ ؟ أم كَيفَ أسكُنُ فِي النّارِ ورَجائي عَفوُكَ ؟ !
فَبِعِزَّتِكَ - يا سيِّدي ومَولايَ - اُقسِمُ صادِقاً ، لَئِن تَرَكتَني ناطِقاً لَأَضِجَّنَّ إلَيكَ بَينَ أهلِها ضَجيجَ الآمِلينَ ، ولَأَصرُخَنَّ إلَيكَ صُراخَ المُستَصرِخينَ ، ولَأَبكِيَنَّ عَلَيكَ بُكاءَ الفاقِدينَ ،