في أزَلِيَّتِكَ ، ولا مُمكِناً في قِدَمِكَ ، ولا يَبلُغُكَ بُعدُ الهِمَمِ ، ولا يَنالُكَ غَوصُ الفِطَنِ ، ولا يَنتَهي إلَيكَ نَظَرُ النّاظِرينَ في مَجدِ جَبَروتِكَ وعَظيمِ قُدرَتِكَ ، ارتَفَعَت عَن صِفَةِ المَخلوقينَ صِفَةُ قُدرَتِكَ ، وعَلا عَن ذلِكَ كِبرِياءُ عَظَمَتِكَ ، ولا يَنتَقِصُ ما أرَدتَ أن يَزدادَ ، ولا يَزدادُ ما أرَدتَ أن يَنتَقِصَ ، ولا أحَدٌ شَهِدَكَ حينَ فَطَرتَ الخَلقَ ، ولا ضِدٌّ حَضَرَكَ حينَ بَرَأتَ النُّفوسَ ، كَلَّتِ الأَلسُنُ عَن تَبيينِ صِفَتِكَ ، وَانحَسَرَتِ العُقولُ عَن كُنهِ مَعرِفَتِكَ ، وكَيفَ تُدرِكُكَ الصِّفاتُ أو تَحويكَ الجِهاتُ وأَنتَ الجَبّارُ القُدّوسُ الَّذي لَم تَزَل أزَلِيّاً دائِماً فِي الغُيوبِ وَحدَكَ لَيسَ فيها غَيرُكَ ، ولَم يَكُن لَها سِواكَ ؟ ! حارَت في مَلَكوتِكَ عَميقاتُ مَذاهِبِ التَّفكيرِ ، وحَسَرَ عَن إدراكِكَ بَصَرُ البَصيرِ ، وتَواضَعَتِ المُلوكُ لِهَيبَتِكَ ، وعَنَتِ الوُجوهُ بِذُلِّ الاِستِكانَةِ لِعِزَّتِكَ ، وَانقادَ كُلُّ شَيءٍ لِعَظَمَتِكَ ، وَاستَسلَمَ كُلُّ شَيءٍ لِقُدرَتِكَ ، وخَضَعَتِ الرِّقابُ لِسُلطانِكَ ۱ ، فَضَلَّ هُنالِكَ التَّدبيرُ في تَصاريفِ الصِّفاتِ لَكَ ، فَمَن تَفَكَّرَ في ذلِكَ رَجَعَ طَرفُهُ إلَيهِ حَسيراً ، وعَقلُهُ مَبهوتاً مَبهوراً ، وفِكرُهُ مُتَحَيِّراً .
اللَّهُمَّ فَلَكَ الحَمدُ حَمداً مُتَواتِراً مُتَوالِياً مُتَّسِقاً مُستَوسِقاً ۲ ، يَدومُ ولا يَبيدُ ، غَيرَ مَفقودٍ فِي المَلَكوتِ ، ولا مَطموسٍ فِي العالَمِ ، ولا مُنتَقَصٍ فِي العِرفانِ ، فَلَكَ الحَمدُ حَمداً لا تُحصى مَكارِمُهُ ، فِي اللَّيلِ إذا أدبَرَ ، وفِي الصُّبحِ إذا أسفَرَ ، وفِي البَرِّ وَالبَحرِ ، بِالغُدُوِّ وَالآصالِ ، وَالعَشِيِّ وَالإِبكارِ ، وَالظَّهيرَةِ وَالأَسحارِ .
اللَّهُمَّ بِتَوفيقِكَ أحضَرتَنِي النَّجاةَ ، وجَعَلتَني مِنكَ في وِلايَةِ العِصمَةِ ، لَم تُكَلِّفني فَوقَ طاقَتي إذ لَم تَرضَ مِنّي إلّا بِطاعَتي ، فَلَيسَ شُكري - وإن دَأَبتُ مِنهُ فِي المَقالِ ، وبالَغتُ مِنهُ فِي الفِعالِ - بِبالِغٍ أداءَ حَقِّكَ ، ولا مُكافٍ فَضلَكَ ؛ لِأَنَّكَ أنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، لَم