297
کنز الدعاء المجلد الثالث

أنشَأتَني ، ومِن قَبلِ ذلِكَ رَؤُفتَ بي بِجَميلِ صُنعِكَ وسَوابِغِ نِعمَتِكَ ؛ فَابتَدَعتَ خَلقي مِن مَنِيٍّ يُمنى‏ ، ثُمَّ أسكَنتَني في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ، بَينَ لَحمٍ وجِلدٍ ودَمٍ ، لَم تُشَهِّرني بِخَلقي ۱ ، ولَم تَجعَل إلَيَّ شَيئاً مِن أمري .
ثُمَّ أخرَجتَني إلَى الدُّنيا تامّاً سَوِيّاً ، وحَفِظتَني فِي المَهدِ طِفلاً صَبِيّاً ، ورَزَقتَني مِنَ الغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً ، وعَطَفتَ عَلَيَّ قُلوبَ الحَواضِنِ ، وكَفَّلتَنِي الاُمَّهاتِ الرَّحائِمَ ، وكَلَأتَني ۲ مِن طَوارِقِ الجانِّ ، وسَلَّمتَني مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقصانِ ، فَتَعالَيتَ يا رَحيمُ يا رَحمنُ .
حَتّى‏ إذَا استَهلَلتُ ناطِقاً بِالكَلامِ ، أتمَمتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الإِنعامِ ، فَرَبَّيتَني زائِداً في كُلِّ عامٍ ، حَتّى‏ إذا كَمُلَت فِطرَتي ، وَاعتَدَلَت سَريرَتي ، أوجَبتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَن ألهَمتَني مَعرِفَتَكَ ، ورَوَّعتَني بِعَجائِبِ فِطرَتِكَ ، وأَنطَقتَني لِما ذَرَأتَ في سَمائِكَ وأَرضِكَ مِن بَدائِعِ خَلقِكَ ، ونَبَّهتَني لِذِكرِكَ وشُكرِكَ وواجِبِ طاعَتِكَ وعِبادَتِكَ ، وفَهَّمتَني ما جاءَت بِهِ رُسُلُكَ ، ويَسَّرتَ لي تَقَبُّلَ مَرضاتِكَ ، ومَنَنتَ عَلَيَّ في جَميعِ ذلِكَ بِعَونِكَ ولُطفِكَ .
ثُمَّ إذ خَلَقتَني مِن حُرِّ ۳ الثَّرى‏ ، لَم تَرضَ لي يا إلهي بِنِعمَةٍ دونَ اُخرى‏ ، ورَزَقتَني مِن أنواعِ المَعاشِ وصُنوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ العَظيمِ عَلَيَّ ، وإحسانِكَ القَديمِ إلَيَّ ، حَتّى‏ إذا أتمَمتَ عَلَيَّ جَميعَ النِّعَمِ ، وصَرَفتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ ، لَم يَمنَعكَ جَهلي وجُرأَتي عَلَيكَ أن دَلَلتَني عَلى‏ ما يُقَرِّبُني إلَيكَ ، ووَفَّقتَني لِما يُزلِفُني لَدَيكَ ، فَإِن دَعَوتُكَ أجَبتَني ، وإن سَأَلتُكَ أعطَيتَني ، وإن أطَعتُكَ شَكَرتَني ، وإن شَكَرتُكَ زِدتَني ، كُلُّ ذلِكَ إكمالاً لِأَنعُمِكَ عَلَيَّ ، وإحسانِكَ إلَيَّ .

1.قال العلامة المجلسي : لم تشهّرني بخلقي ؛ أي لم تجعل تلك الحالات الخسيسة ظاهرة للخلق في ابتداء خلقي لأصير محقّراً مهيناً عندهم ، بل سترت تلك الأحوال عنهم ، وأخرجتني بعد اعتدال صورتي وخروجي عن تلك الاُصول الدّنية (بحار الأنوار : ج ۶۰ ص ۳۷۳) . هذا وفي البلد الأمين : «لَم تُشهِدني خلقي» .

2.كَلأهُ : حرسه (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۲۶ «كلأ») .

3.الحُرّ من الطين والرَّمل : الطيّب . وحرّ كلّ أرضٍ : وسطها وأطيبها (تاج العروس : ج ۶ ص ۲۶۱ «حرر») .


کنز الدعاء المجلد الثالث
296

الحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي لَيسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ ، ولا لِعَطائِهِ مانِعٌ ، ولا كَصُنعِهِ صُنعُ صانِعٍ ، وهُوَ الجَوادُ الواسِعُ ، فَطَرَ ۱ أجناسَ البَدائِعِ ، وأَتقَنَ بِحِكمَتِهِ الصَّنائِعَ ، لا يَخفى‏ عَلَيهِ الطَّلائِعُ ، ولا تَضيعُ عِندَهُ الوَدائِعُ ، أتى‏ بِالكِتابِ الجامِعِ ، وبِشَرعِ الإِسلامِ النّورِ السّاطِعِ ، وهُوَ لِلخَليقَةِ صانِعٌ ، وهُوَ المُستَعانُ عَلَى الفَجائِعِ ، جازي كُلِّ صانِعٍ ، ورائِشُ ۲ كُلِّ قانِعٍ ۳ ، وراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ ۴ ، ومُنزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنّورِ السّاطِعِ ، وهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ ، ولِلدَّرَجاتِ رافِعٌ ، ولِلكُرُباتِ دافِعٌ ، ولِلجَبابِرَةِ قامِعٌ ، وراحِمُ عَبرَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، ودافِعُ ضَرعَةِ كُلِّ ضارِعٍ ، فَلا إلهَ غَيرُهُ ، ولا شَي‏ءَ يَعدِلُهُ ، ولَيسَ كَمِثلِهِ شَي‏ءٌ ، وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، اللَّطيفُ الخَبيرُ ، وهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ قَديرٌ .
اللَّهُمَّ إنّي أرغَبُ إلَيكَ ، وأَشهَدُ بِالرُّبوبِيَّةِ لَكَ ، مُقِرّاً بِأَنَّكَ رَبّي ، وأَنَّ إلَيكَ مَرَدّي ، اِبتَدَأتَني بِنِعمَتِكَ قَبلَ أن أكونَ شَيئاً مَذكوراً ، وخَلَقتَني مِنَ التُّرابِ ، ثُمَّ أسكَنتَنِي الأَصلابَ ، أمناً لِرَيبِ المَنونِ ۵ وَاختِلافِ الدُّهورِ ، فَلَم أزَل ظاعِناً ۶ مِن صُلبٍ إلى‏ رَحِمٍ في تَقادُمِ الأَيّامِ الماضِيَةِ ، وَالقُرونِ الخالِيَةِ ، لَم تُخرِجني - لِرَأفَتِكَ بي ، ولُطفِكَ لي وإحسانِكَ إلَيَّ - في دَولَةِ أيّامِ الكَفَرَةِ ، الَّذينَ نَقَضوا عَهدَكَ وكَذَّبوا رُسُلَكَ ، لكِنَّكَ أخرَجتَني رَأفَةً مِنكَ وتَحَنُّناً عَلَيَّ لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدَى ، الَّذي فيهِ يَسَّرتَني ، وفيهِ

1.فَطَرَ : خلق (المصباح المنير : ص ۴۷۶ «فطر») .

2.يقال : راشَهُ يَريشُه ؛ إذا أحسن حاله . وكلُّ من أوليته خيراً فقد رِشتَه (لسان العرب : ج ۶ ص ۳۱۰ «ريش») .

3.القانِعُ : السائل ، من القنوع : الرضا باليسير من العطاء (النهاية : ج ۴ ص ۱۱۴ «قنع») .

4.الضَّارعُ : النحيف الضاوي الجسم (النهاية : ج ۳ ص ۸۴ «ضرع») .

5.المنون : الدَّهرُ ، والموتُ (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۲۷۲ «منّ») .

6.ظَعَنَ : سارَ (الصحاح : ج ۴ ص ۲۱۵۹ «ظعن») .

  • نام منبع :
    کنز الدعاء المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    محمدی‌ ری‌شهری، با همکاری رسول افقی
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 30221
صفحه از 666
پرینت  ارسال به