ما زَيَّلتَهُ وإلى ما حَذَّرتَهُ ، وأَعانَهُ عَلى ذلِكَ عَدُوُّكَ وعَدُوُّهُ ، فَأَقدَمَ عَلَيهِ عارِفاً بِوَعيدِكَ ، راجِياً لِعَفوِكَ ، واثِقاً بِتَجاوُزِكَ ، وكانَ أحَقَّ عِبادِكَ مَعَ ما مَنَنتَ عَلَيهِ ألّا يَفعَلَ .
وها أنَا ذا بَينَ يَدَيكَ صاغِراً ذَليلاً خاضِعاً خاشِعاً خائِفاً ، مُعتَرِفاً بِعَظيمٍ مِنَ الذُّنوبِ تَحَمَّلتُهُ ، وجَليلٍ مِنَ الخَطايَا اجتَرَمتُهُ ، مُستَجيراً بِصَفحِكَ ، لائِذاً بِرَحمَتِكَ ، موقِناً أنَّهُ لا يُجيرُني مِنكَ مُجيرٌ ، ولا يَمنَعُني مِنكَ مانِعٌ .
فَعُد عَلَيَّ بِما تَعودُ بِهِ عَلى مَنِ اقتَرَفَ مِن تَغَمُّدِكَ ، وجُد عَلَيَّ بِما تَجودُ بِهِ عَلى مَن ألقى بِيَدِهِ إلَيكَ مِن عَفوِكَ ، وَامنُن عَلَيَّ بِما لا يَتَعاظَمُكَ أن تَمُنَّ بِهِ عَلى مَن أمَّلَكَ مِن غُفرانِكَ ، وَاجعَللي في هذَا اليَومِ نَصيباً أنالُ بِهِ حَظّاً مِن رِضوانِكَ ، ولا تَرُدَّني صِفراً مِمّا يَنقَلِبُ بِهِ المُتَعَبِّدونَ لَكَ مِن عِبادِكَ ، وإنّي وإن لَم اُقَدِّم ما قَدَّموهُ مِنَ الصّالِحاتِ فَقَد قَدَّمتُ تَوحيدَكَ ونَفيَ الأَضدادِ وَالأَندادِ وَالأَشباهِ عَنكَ ، وأَتَيتُكَ مِنَ الأَبوابِ الَّتي أمَرتَ أن تُؤتى مِنها ، وتَقَرَّبتُ إلَيكَ بِما لا يَقرُبُ أحَدٌ مِنكَ إلّا بِالتَّقَرُّبِ بِهِ ، ثُمَّ أتبَعتُ ذلِكَ بِالإِنابَةِ إلَيكَ ، وَالتَّذَلُّلِ وَالاِستِكانَةِ لَكَ ، وحُسنِ الظَّنِّ بِكَ ، وَالثِّقَةِ بِما عِندَكَ ، وشَفَعتُهُ بِرَجائِكَ الَّذي قَلَّ ما يَخيبُ عَلَيهِ راجيكَ . وسَأَلتُكَ مَسأَلَةَ الحَقيرِ الذَّليلِ البائِسِ الفَقيرِ الخائِفِ المُستَجيرِ ، ومَعَ ذلِكَ خيفَةً وتَضَرُّعاً وتَعَوُّذاً وتَلَوُّذاً ، لا مُستَطيلاً بِتَكَبُّرِ المُتَكَبِّرينَ ، ولا مُتَعالِياً بِدالَّةِ المُطيعينَ ، ولا مُستَطيلاً بِشَفاعَةِ الشّافِعينَ ، وأَ نَا بَعدُ أقَلُّ الأَقَلّينَ وأَذَلُّ الأَذَلّينَ ، ومِثلُ الذَّرَّةِ أو دونَها .
فَيامَن لَم يُعاجِلِ المُسيئينَ، ولا يَندَهُ المُترَفينَ، ويا مَن يَمُنُّ بِإِقالَةِ العاثِرينَ ، ويَتَفَضَّلُ بِإِنظارِ الخاطِئينَ ؛ أنا المُسيءُ المُعتَرِفُ ، الخاطِئُ العاثِرُ ، أنَا الَّذي أقدَمَ عَلَيكَ مُجتَرِئاً ، أنَا الَّذي عَصاكَ مُتَعَمِّداً ، أنَا الَّذِي استَخفى مِن عِبادِكَ وبارَزَكَ ، أنَا الَّذي هابَ عِبادَكَ وأَمِنَكَ ، أنَا الَّذي لَم يَرهَب سَطوَتَكَ ، ولَم يَخَف بَأسَكَ ، أنَا الجَاني عَلى نَفسِهِ ، أنَا المُرتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ ، أنَا القَليلُ الحَياءِ ، أنا الطَّويلُ العَناءِ ، بِحَقِّ مَنِ انتَجَبتَ مِن خَلقِكَ ، وبِمَنِ