65
مختصر تفسير القمّي

قال: فودّعناه وخرجنا، فلمّا حججنا لم يكن لنا همّة إلّا الرجوع إليه، فوافينا الربذة، فإذا الخباء معدوم، وإذا بنت أبي ذرّ جالسة وحدها. فقلنا: أين أبوذرّ؟
قالت: مات.
قلنا: وكيف كان؟
قالت: لمّا فارقتمونا ماتت غنيماتنا في داءٍ يقال له: النقّاز، ثمّ ماتت اُمّي، فبقيت أنا وأبي، فأصابنا الجوع، فقال لي أبي: يا بنيّة، قومي بنا إلى الرمل نطلب القتّ - وهو نبت له حبّ - فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئاً، فجمع أبي رملاً ووضع رأسه عليه، ورأيت عينيه قد انقلبتا، فبكيت وصحت، وقلت: يا أبه، كيف أصنع بك إن متّ وأنا وحيدة؟
فقال: يا بنيّة لا تحزني، فإذا متّ فمدّي الكساء على وجهي، ثمّ اقعدي على طريق العراق، فإذا أقبل ركب من العراق، فقولي لهم: هذا أبوذرّ قد توفّي، فإنّهم يكفونك أمري، فإنّه أخبرني حبيبي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في غزوة تبوك، فقال: «يا أبا ذرّ، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، وتدخل الجنّة وحدك، يسعد ۱ بك قوم من أهل العراق، يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك».
قالت: فلمّا مات مددت الكساء على وجهه، ثمّ قعدت على طريق العراق، وإذا ركب أقبلوا، فقمت إليهم، فقلت لهم: هذا أبوذرّ صاحب رسول اللَّه قد توفّي، فنزلوا ومشوا إليه يبكون، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه، وكان فيهم الأشتر، فقال: كفنته بحلّة كانت معي، قيمتها أربعة ألف درهم.
فقالت ابنته ۲ : فكنت اُصلّي بصلاته، وأصوم بصيامه، فبينا أنا ذات ليلة نائمة إذ سمعته يتهجّد بالقرآن كما كان يتهجّد ۳ في حياته، فقلت له: يا أبه، ماذا فعل بك ربّك؟
قال: يا بنيّة، قدمت على ربّ كريم، رضي عنّي ورضيت عنه، وأكرمني وحباني ۴ ، فاعملوا ولا تغترّوا ۵ ». ۶

1.كذا في «أ». وفي: «ج»: «ليسعد».

2.كذا في «أ». والظاهر وجود سقط في العبارة.

3.في «أ» زيادة: «به».

4.في «أ» زيادة: «وأكرمني».

5.في «ب»: «ولا تفتروا»، وهو أنسب بالسياق.

6.روى معناه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج ۲۲، ص ۴۲۹. وراجع أيضاً البحار، ج ۲۲، ص ۴۱۸.


مختصر تفسير القمّي
64

فقلت: يا رسول اللَّه، وإنّ هذا لكائن ۱ ؟
فقال: «إي، والذي نفسي بيده، إنّه كائن».
فقلت: يا رسول اللَّه، أفلا أضع سيفي على عاتقي وأضرب به قدماً؟
فقال: «لا، اسمع واسكت ولو لعبدٍ حبشيّ. وقد أنزل اللَّه فيك وفي ۲ عثمان آية».
فقلت: ما هي يا رسول اللَّه؟
فقال: «قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ»... الآية».
فقوله: «وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ» يعني أبا ذرّ.
قال: فنفاه إلى الربذة، فشيّعه أمير المؤمنين والحسن والحسين». ۳
قال عديّ بن حاتم الطائي: حججنا أيّام عثمان، وقد كان نفى أبا ذرّ إلى الربذة، فقلنا: نجعل طريقنا على أبي ذرّ ونسلّم عليه. فأتينا الربذة فنظرنا إلى خباء رثٍّ، فقصدناه فإذا إمرأة فيه وصبيّة، فقلنا: أين أبا ذرّ؟
فقالت لنا: هو في غنيمات له يرعاها. فقصدناه، فإذا رجل لا يرفع قدماً من الأرض ولا يضعها إلّا ذكر اللَّه خشوعاً. فسلّمنا عليه. فردّ علينا السلام، ثمّ قال: من أنتم؟
فقلنا: قوم من إخوانك أردنا الحجّ، فأحببنا أن نسلّم عليك.
فقال: قبل اللَّه ذلك منكم، أمّا إنّي سمعت حبيبي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقول: «من نوى الحجّ احتساباً للَّه، لا لغيره، لم ترفع ناقته خفّاً إلّا كتب اللَّه له به حسنة، ومحا عنه سيّئة، ورفع له درجة، فإذا دخل الحرم تحاتّ عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر. فإذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة غفر اللَّه له ذنوبه. فإذا وقف بالموقف بعث اللَّه ملكاً فضرب بين كتفيه وقال له: استأنف العمل، فأمّا ماتقدّم من ذنبك فقد غفر لك، فهلا ۴ تدعوا لإخوانك بظهر الغيب؟ فإنّ من دعا لإخوانه بظهر الغيب استجاب اللَّه منه في نفسه سبعين ضعفاً».

1.في «ص» و «ق» زيادة: «يا رسول اللَّه».

2.في «ص» زيادة: «خصمك».

3.روى الشيخ الكليني قصّة نفي أبي ذرّ في الكافي، ج ۸، ص ۲۰۶، ح ۲۵۱.

4.كذا في «ب». وفي «ألف»: «أفلا».

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبدالرحمن محمد بن ابراهیم معروفی به ابن العتائقی، تحقیق محمد جواد حسینی جلالی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9576
صفحه از 611
پرینت  ارسال به