قال: فودّعناه وخرجنا، فلمّا حججنا لم يكن لنا همّة إلّا الرجوع إليه، فوافينا الربذة، فإذا الخباء معدوم، وإذا بنت أبي ذرّ جالسة وحدها. فقلنا: أين أبوذرّ؟
قالت: مات.
قلنا: وكيف كان؟
قالت: لمّا فارقتمونا ماتت غنيماتنا في داءٍ يقال له: النقّاز، ثمّ ماتت اُمّي، فبقيت أنا وأبي، فأصابنا الجوع، فقال لي أبي: يا بنيّة، قومي بنا إلى الرمل نطلب القتّ - وهو نبت له حبّ - فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئاً، فجمع أبي رملاً ووضع رأسه عليه، ورأيت عينيه قد انقلبتا، فبكيت وصحت، وقلت: يا أبه، كيف أصنع بك إن متّ وأنا وحيدة؟
فقال: يا بنيّة لا تحزني، فإذا متّ فمدّي الكساء على وجهي، ثمّ اقعدي على طريق العراق، فإذا أقبل ركب من العراق، فقولي لهم: هذا أبوذرّ قد توفّي، فإنّهم يكفونك أمري، فإنّه أخبرني حبيبي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في غزوة تبوك، فقال: «يا أبا ذرّ، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، وتدخل الجنّة وحدك، يسعد ۱ بك قوم من أهل العراق، يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك».
قالت: فلمّا مات مددت الكساء على وجهه، ثمّ قعدت على طريق العراق، وإذا ركب أقبلوا، فقمت إليهم، فقلت لهم: هذا أبوذرّ صاحب رسول اللَّه قد توفّي، فنزلوا ومشوا إليه يبكون، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه، وكان فيهم الأشتر، فقال: كفنته بحلّة كانت معي، قيمتها أربعة ألف درهم.
فقالت ابنته ۲ : فكنت اُصلّي بصلاته، وأصوم بصيامه، فبينا أنا ذات ليلة نائمة إذ سمعته يتهجّد بالقرآن كما كان يتهجّد ۳ في حياته، فقلت له: يا أبه، ماذا فعل بك ربّك؟
قال: يا بنيّة، قدمت على ربّ كريم، رضي عنّي ورضيت عنه، وأكرمني وحباني ۴ ، فاعملوا ولا تغترّوا ۵ ». ۶
1.كذا في «أ». وفي: «ج»: «ليسعد».
2.كذا في «أ». والظاهر وجود سقط في العبارة.
3.في «أ» زيادة: «به».
4.في «أ» زيادة: «وأكرمني».
5.في «ب»: «ولا تفتروا»، وهو أنسب بالسياق.
6.روى معناه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج ۲۲، ص ۴۲۹. وراجع أيضاً البحار، ج ۲۲، ص ۴۱۸.