331
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل

مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
330

ولجاز أن يطلبه في أجناسٍ من هذا الخلق من العجم وغيرهم ، ولكان من حيث أراد اللَّه عزّ و جلّ أن يكون صلاح يكون فساد ، ولا يجوز هذا في حكمة اللَّه جلّ جلاله وعدله أن يفرض على الناس فريضة لا توجد .
فلمّا لم يجز ذلك ، لم يجز أن يكون إلّا في هذا الجنس ؛ لاتّصاله بصاحب الملّة والدعوة ، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلّا في هذه القبيلة ؛ لقرب نسبها من صاحب الملّة وهي قريش ، ولمّا لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلّا في هذه القبيلة ، لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلّا في هذا البيت ؛ لقرب نسبه من صاحب الملّة والدعوة ، ولمّا كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الإمامة لعلوّها وشرفها ، ادّعاها كلّ واحد منهم ، فلم يجز أن يكون من صاحب الملّة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه ؛ كي لا يطمع فيها غيره .
وأمّا الأربع الّتي في نعت نفسه : فأن يكون أعلم الناس كلّهم بفرائض اللَّه وسننه وأحكامه ، حتّى لا يخفى عليه منها دقيق ولا جليل ، وأن يكون معصوماً من الذنوب كلّها ، وأن يكون أشجع الناس ، وأن يكون أسخى الناس .
فقال عبد اللَّه بن يزيد الإباضي : من أين قلت : إنّه أعلم الناس ؟ قال : لأنّه إن لم يكن عالماً بجميع حدود اللَّه وأحكامه وشرائعه وسننه ، لم يؤمَن عليه أن يقلب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حدّه ، ومن وجب عليه الحدّ قطعه ، فلا يقيم للَّه عزّ و جلّ حدّاً على ما أمر به ، فيكون من حيث أراد اللَّه صلاحاً يقع فساداً .
قال : فمن أين قلت : إنّه معصوم من الذنوب ؟ قال : لأنّه إن لم يكن معصوماً من الذنوب دخل في الخطأ ، فلا يؤمَن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه ، ولا يحتجّ اللَّه بمثل هذا على خلقه .
قال : فمن أين قلت : إنّه أشجع الناس ؟ قال : لأنّه فئة للمسلمين الذين يرجعون إليه في الحروب ، وقال اللَّه عزّ و جلّ : « وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى‏ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ »۱، فإن لم يكن شجاعاً فَرّ ، فيبوء بغضبٍ من اللَّه ، ولا يجوز أن يكون مَن يبوء بغضبٍ من اللَّه عزّ و جلّ حجّة اللَّه على خلقه .
قال : فمن أين قلت إنّه أسخى الناس ؟ قال : لأنّه خازن المسلمين ، فإن لم يكن سخياً تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها فكان خائناً ، ولا يجوز أن يحتجّ اللَّه على خلقه بخائنٍ . فعند ذلك قال ضرار : فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت ؟ فقال : صاحب القصر أمير المؤمنين .
وكان هارون الرشيد قد سمع الكلام كلّه ، فقال عند ذلك : أعطانا واللَّه من جراب النورة۲ ، ويحك يا جعفر - وكان جعفر بن يحيى جالساً معه في الستر - مَن يعني بهذا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، يعني به موسى بن جعفر ؛ قال : ما عنى بها غير أهلها . ثمّ عضّ على شفتيه وقال : مثل هذا حي ويبقى لي ملكي ساعة واحدة ! فوَ اللَّه للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مئة ألف سيف .
وعلم يحيى أنّ هشاماً قد أُتي ، فدخل الستر فقال : يا عبّاسي ، ويحك من هذا الرجل ؟ فقال : يا أمير المؤمنين حسبك ، تُكفى تُكفى . ثمّ خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام أنّه قد أُتي ، فقام يريهم أنّه يبول أو يقضي حاجة ، فلبس نعليه وانسلّ . ومرّ ببيته وأمرهم بالتواري وهرب ، ومرّ من فوره نحو الكوفة ، فوافى الكوفة ونزل على بشير النبّال ، وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد اللَّه عليه السلام ، فأخبره الخبر ، ثمّ اعتلّ علّة شديدة ، فقال له بشير : آتيك بطبيبٍ ؟ قال : لا أنا ميّت .
فلمّا حضره الموت قال لبشير : إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة ، واكتب رقعة وقل : هذا هشام بن الحكم الّذي يطلبه أمير المؤمنين مات حتف أنفه . وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه ، فأخذ الخلق به ، فلمّا أصبح أهل الكوفة رأوه ، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل والمعدلون بالكوفة ، وكتب إلى الرشيد بذلك ، فقال : الحمد للَّه الّذي كفانا أمره ، فخلّى عمّن كان أُخذ به . ۳

1.سورة الأنفال ( ۸ ) ، الآية ۱۶ .

2.على الاستعارة ، الأصل فيه أنّه سأل سائل محتاج من حاكمٍ قسيّ القلب شيئاً ، فعلّق على رأسه جراب نورة

3.كمال الدين ، ص ۳۶۲ ذكر كلام هشام بن الحكم ، ذيل ح ۵ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴۸ ، ص ۱۹۷ ، ح ۷ .

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9273
صفحه از 516
پرینت  ارسال به