317
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل

منهم عشرةً من المشركين ليس له أن يولّي وجهه عنهم ، ومن ولّاهم يومئذٍ دُبُرَه فقد تبوّأ مقعده من النار ، ثمّ حوّلهم عن حالهم رحمةً منه لهم ، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من اللَّه عزّ و جلّ للمؤمنين ، فنسخ الرجلانِ العشرةَ .
وأخبروني أيضاً عن القضاة ، أجَوَرَةٌ هم حيث يقضون على الرجل منكم نفقةَ امرأته إذا قال : إنّي زاهد ، وإنّي لا شي‏ء لي ؟ فإن قلتم : جَوَرَة ، ظَلّمكم أهل الإسلام ، وإن قلتم : بل عدول ، خصمتم أنفسكم ، وحيث تردّون صدقةَ مَن تصدّق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث ، أخبروني ، لو كان الناس كلّهم كالذين تريدون زهّاداً لا حاجة لهم في متاع غيرهم ، فعلى مَن كان يُتصدّق بكفّارات الأيمان والنذور والصدقات من فرض الزكاة من الذهب والفضّة والتمر والزبيب وسائر ما وجب فيه الزكاة من الإبل والبقر والغنم وغير ذلك ؟ إذا كان الأمر كما تقولون ، لا ينبغي لأحدٍ أن يحبس شيئاً مِن عَرَض الدنيا إلّا قدّمه وإن كان به خصاصة ، فبئسما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب اللَّه عزّ و جلّ وسنّة نبيّه صلى اللّه عليه و آله وأحاديثه الّتي يصدّقها الكتاب المنزل ، وردّكم إيّاها بجهالتكم ، وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي .
وأخبروني ، أين أنتم عن سليمان بن داوود عليه السلام حيث سأل اللَّه مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده ، فأعطاه اللَّه جلّ اسمه ذلك ، وكان يقول الحقّ ويعمل به ، ثمّ لم نجد اللَّه عزّ و جلّ عاب عليه ذلك ولا أحداً من المؤمنين ، وداوود النبيّ عليه السلام قبله في ملكه وشدّة سلطانه ، ثمّ يوسف النبيّ عليه السلام حيث قال لملك مصر : « اجْعَلْنِى عَلَى‏ خَزَآلِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ »۱، فكان من أمره الّذي كان أن اختار مملكة الملك وما حولها إلى اليمن ، وكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعةٍ أصابتهم ، وكان يقول الحقّ ويعمل به ، فلم نجد أحداً عاب ذلك عليه . ثمّ ذو القرنين عبد أحبّ اللَّه فأحبّه اللَّه وطوى له الأسباب ، وملّكه مشارق الأرض ومغاربها ، وكان يقول الحقّ ويعمل به ، ثمّ لم نجد أحداً عاب ذلك عليه . فتأدّبوا أيّها النفر بآداب اللَّه عزّ و جلّ للمؤمنين ، واقتصروا على أمر اللَّه ونهيه ، ودعوا عنكم ما اشتبه

1.سورة يوسف ( ۱۲ ) ، الآية ۵۵ .


مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
316

يعطيه ، فلامه السائل واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه ، وكان رحيماً رقيقاً ، فأدّب اللَّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله بأمره فقال : « وَ لَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى‏ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا »۱، يقول : إنّ الناس قد يسألونك ولا يعذرونك ، فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حَسَرتَ من المال .
فهذه أحاديث رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله يصدّقها الكتابُ ، والكتابُ يصدّقُهُ أهلُهُ من المؤمنين . وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له : أوصِ ، فقال : أُوصي بالخُمُس والخُمُس كثير ، فإنّ اللَّه تعالى قد رضي بالخُمُس ، فأوصى بالخُمُس وقد جعل اللَّه عزّ و جلّ له الثلث عند موته ، ولو علم أنّ الثلث خير له أوصى به . ثمّ من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذرّ - رضي‏اللَّه عنهما ، فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاهُ رفع منه قوته لسنته حتّى يحضُرَ عطاؤُهُ من قابل ، فقيل له : يا أبا عبد اللَّه أنت في زهدك تصنع هذا ، وأنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غداً ، فكان جوابه أن قال : ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم علَيَّ الفناء؟ أما علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت. وأمّا أبو ذرّ فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم أو نزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بِقَرِم اللحم ، فَيقسِمْه بينهم ، ويأخذ هو كنصيب واحدٍ منهم لا يتفضّل عليهم ، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال فيهم رسول‏اللَّه صلى اللّه عليه و آله ما قال؟ ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئاً البتّة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم .
واعلموا أيّها النفر أنّي سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله قال يوماً : ما عجبت من شي‏ءٍ كعجبي من المؤمن إنّه إن قُرّض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له ، وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له ، وكلّ ما يصنع اللَّه عزّ و جلّ به فهو خير له ، فليت شعري ! هل يحيق فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم أم أزيدكم ؟ أما علمتم أنّ اللَّه عزّ و جلّ قد فرض على المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرجل

1.سورة الإسراء ( ۱۷ ) ، الآية ۲۹ .

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9377
صفحه از 516
پرینت  ارسال به