نفسه وعياله ، ثمّ الثالثة على قرابته الفقراء ، ثمّ الرابعة على جيرانه الفقراء ، ثمّ الخامسة في سبيل اللَّه ، وهو أخسّها أجراً .
وقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله للأنصاريّ حين أعتَقَ عند موته خمسةً أو ستّةً من الرقيق ولم يكن يملك غيرهم وله أولاد صغار : لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين ، يترك صبيةً صغاراً يتكفّفون الناس ! ثمّ قال : حدّثني أبي أنّ رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله قال : ابدأ بمن تعول ، الأدنى فالأدنى ، ثمّ هذا ما نطق به الكتاب ردّاً لقولكم ونهياً عنه مفروضاً من اللَّه العزيز الحكيم ، قال : « وَ الَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَ لَمْ يَقْتُرُواْ وَ كَانَ بَيْنَ ذَ لِكَ قَوَامًا »۱، أفلا ترون أنّ اللَّه تبارك وتعالى قال : غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الأثَرَة على أنفسهم ، وسمّى من فعل ما تدعون الناس إليه مُسرفاً ، وفي غير آيةٍ من كتاب اللَّه يقول : « إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ »۲، فنهاهم عن الإسراف ، ونهاهم عن التقتير ، ولكن أمر بين أمرين ، لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو اللَّه أن يرزقه فلا يستجيب له ، للحديث الّذي جاء عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ أصنافاً من أُمّتي لا يُستجاب لهم دعاؤهم : رجل يدعو على والديه ، ورجل يدعو على غريمٍ ذهب له بمالٍ فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه ، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل اللَّه عزّ و جلّ تخلية سبيلها بيده ، ورجل يقعد في بيته ويقول : ربّ ارزقني ، ولا يخرج ولا يطلب الرزق فيقول اللَّه عزّ و جلّ له : عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة ، فتكون قد أُعذِرتَ فيما بيني وبينك في الطلب لاتّباع أمري ، ولكيلا تكون كلاًّ على أهلك ، فإن شئت رزقتك وإن شئت قتّرت عليك ، وأنت غير معذورٍ عندي ؛ ورجل رزقه اللَّه مالاً كثيراً فأنفقه ثمّ أقبل يدعو : يا ربّ ارزقني ، فيقول اللَّه عزّ و جلّ : ألم أرزقك رزقاً واسعاً ، فهلّا اقتصدت فيه كما أمرتك ولم تسرف وقد نهيتك عن الإسراف ؟ ورجل يدعو في قطيعة رحمٍ .
ثمّ علّم اللَّه عزّ و جلّ نبيّه صلى اللّه عليه و آله كيف ينفق ، وذلك أنّه كانت عنده أُوقيّة من الذهب فكره أن يبيت عنده فتصدّق بها ، فأصبح وليس عنده شيء ، وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما