211
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل

فأعلمهم ، وكانت المناوشة ، فجلس سهيل بن عمرو عند رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، وجلس عثمان في عسكر المشركين ، وبايع رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله المسلمين ، وضرب بإحدى يديه على الأُخرى لعثمان ، وقال المسلمون : طوبى لعثمان ، قد طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ ، فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : ما كان ليفعل . فلمّا جاء عثمان ، قال له رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : أطفتَ بالبيت ؟ فقال : ما كنت لأطوف بالبيت ورسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله لم يطف به .
ثمّ ذكر القصّة وما كان فيها ، فقال لعليّ عليه السلام : اكتب : بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، فقال سهيل : ما أدري ما الرحمن الرحيم ، إلّا أنّي أظنّ هذا الّذي باليمامة ، ولكن اكتب كما نكتب : باسمك اللّهمّ . قال : واكتب : هذا ما قاضى [عليه‏] رسول اللَّه سهيل بن عمرو ، فقال سهيل : فعلى ما نقاتلك يا محمّد ؟ فقال : أنا رسول اللَّه وأنا محمّد بن عبد اللَّه ، فقال الناس : أنت رسول اللَّه . قال : اكتب ، فكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد اللَّه ، فقال الناس : أنت رسول اللَّه .
وكان في القضيّة أنّ من كان منّا أتى إليكم رددتموه إلينا ورسول اللَّه غير مستكره عن دينه ، ومن جاء إلينا منكم لم نردّه إليكم ، فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : لا حاجة لنا فيهم . وعلى أن يُعبد اللَّه فيكم علانيةً غير سرّ ، وإن كانوا ليتهادون السيور في المدينة إلى مكّة ، وما كانت قضيّة أعظم بركةً منها . لقد كاد أن يستولي على أهل مكّة الإسلام ، فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه ، فقال : أوّل ما قاضينا عليه ، فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : وهل قاضيت على شي‏ء ؟ فقال : يا محمّد ، ما كنتَ بغدّار . قال : فذهب بأبي جندل ، فقال : يا رسول اللَّه ، تدفعني إليه ؟ قال : ولم أشترط لك . قال : وقال : اللّهمّ اجعل لأبي جندل مخرجاً .۱

1.الكافي ، ج ۸ ، ص ۳۲۲ ، ح ۵۰۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۲۰ ، ص ۳۶۵ ، ح ۱۳ .


مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
210

اللَّه صلى اللّه عليه و آله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة ، فتشاغل رجل وترك السعي حتّى انقضت الأيّام وأُعيدت الأصنام ، فجاؤوا إليه فقالوا : يا رسول اللَّه ، إنّ فلاناً لم يسعَ بين الصفا والمروة ، وقد أُعيدت الأصنام ، فأنزل اللَّه عزّ و جلّ : «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا »۱، أي وعليهما الأصنام .۲

۸۳. الكافي : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَير وغيره ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : لمّا خرج رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة ، فلمّا انتهى إلى المكان الّذي أحرم فيه ، أحرموا ولبسوا السلاح ، فلمّا بلغه أنّ المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليردّه ، قال : ابغوني رجلاً يأخذني على غير هذا الطريق ، فأُتي برجلٍ من مُزَينة أو من جُهَينة ، فسأله فلم يوافقه ، فقال : ابغوني رجلاً غيره ، فأُتي برجلٍ آخر ، إمّا من مُزَينة وإمّا من جُهَينة . قال : فذُكر له ، فأخذه معه حتّى انتهى إلى العقبة ، فقال : من يصعدها حطّ اللَّه عنه كما حطّ اللَّه عن بني إسرائيل ، فقال لهم : «ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا ... نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَيَكُمْ »۳. قال : فابتدرها خيلُ الأنصارِ الأوسِ والخزرجِ . قال : وكانوا ألفاً وثمانمئة ، فلمّا هبطوا إلى الحديبية إذا امرأة معها ابنها على القَلِيب ، فسعى ابنها هارباً ، فلمّا أثبتت أنّه رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله صرخت به : هؤلاء الصابئون ليس عليك منهم بأس ، فأتاها رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فأمرها ، فاستقت دلواً من ماء ، فأخذه رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فشرب وغسل وجهه ، فأخذت فضلته فأعادته في البئر ، فلم تبرح حتّى الساعة .
وخرج رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل ، فكان بإزائه ، ثمّ أرسلوا الحُلَيس ، فرأى البُدن وهي تأكل بعضها أوبار بعض ، فرجع ولم يأتِ رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، وقال لأبي سفيان : يا أبا سفيان ، أمّا واللَّه ما على هذا حالفناكم على أن تردّوا الهدي عن محلّه ، فقال : اسكت ! فإنّما أنت أعرابيٌّ ، فقال : أما واللَّه لتخلّينّ عن محمّد وما أراد أو لأنفرِدنّ في الأحابيش ، فقال : اسكت حتّى نأخذ من محمّد وَلْثاً۴ .
فأرسلوا إليه عروة بن مسعود ، وقد كان جاء إلى قريش في القوم الّذين أصابهم المغيرة بن شعبة ، كان خرج معهم من الطائف وكانوا تجّاراً ، فقتلهم وجاء بأموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، فأبى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله أن يقبلها ، وقال : هذا غدر ، ولا حاجة لنا فيه . فأرسلوا إلى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فقالوا : يا رسول اللَّه ، هذا عروة بن مسعود قد أتاكم وهو يعظّم البُدن ، قال : فأقيموها . فأقاموها ، فقال : يا محمّد ، مَجي‏ءَ من جئت ؟ قال : جئت أطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر هذه الإبل وأُخلّي عنكم عن لحمانها ، قال : لا واللاّت والعزّى ، فما رأيت مثلك رُدّ عمّا جئت له ، إنّ قومك يذكّرونك اللَّه والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وأن تقطع أرحامهم ، وأن تجرّي عليهم عدوّهم ، فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : ما أنا بفاعلٍ حتّى أدخلها . قال : وكان عروة بن مسعود حين كلّم رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله تناول لحيته والمغيرة قائم على رأسه ، فضرب بيده فقال : مَن هذا يا محمّد ؟ فقال : هذا ابن أخيك المغيرة ، فقال : يا غدر ! واللَّه ما جئتَ إلّا في غَسلِ سَلْحَتِكَ‏۵ ، قال : فرجع إليهم فقال لأبي سفيان وأصحابه : لا واللَّه ما رأيت مثل محمّدٍ رُدّ عمّا جاء له .
فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّى ، فأمر رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فأُثيرت في وجوههم البُدن ، فقالا : مجي‏ء من جئت ؟ قال : جئتُ لأطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر البُدن وأخلّي بينكم وبين لحمانها ، فقالا : إنّ قومك يناشدونك اللَّه والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وتقطع أرحامهم ، وتجرّي عليهم عدوّهم . قال : فأبى عليهما رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله إلّا أن يدخلها .
وكان رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله أراد أن يبعث عمر ، فقال : يا رسول اللَّه ، إنّ عشيرتي قليل ، وإنّي فيهم على ما تعلم ، ولكنّي أدلّك على عثمان بن عفّان . فأرسل إليه رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فقال : انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشّرهم بما وعدني ربّي من فتح مكّة . فلمّا انطلق عثمان لقي أبان ابن سعيد ، فتأخّر عن السَّرْح‏۶ ، فَحَمَلَ عثمان بين يديه ، ودخل عثمان

1.سورة البقرة ( ۲ ) ، الآية ۱۵۸ .

2.الكافي ، ج ۴ ، ص ۴۳۵ ، ح ۸ ؛ بحار الأنوار ، ج ۲۰ ، ص ۳۶۵ ، ح ۱۲ .

3.سورة البقرة ( ۲ ) ، الآية ۵۸ .

4.الولث : العهد من القوم يقع من غير قصد ، أو يكون غير مؤكّد ( الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۹۶ « ولث » ) .

5.السَلَح : التغوّط ، وسلح الطائر سلحة ؛ إذا خرج منه ما يخرج من الإنسان عند التغوّط ( مجمع البحرين ، ج ۲ ، ص ۸۶۲ « سلح » ) .

6.السَّرح : المال السائم ( الصحاح ، ج ۱ ، ص ۳۷۴ « سرح » ) .

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11386
صفحه از 516
پرینت  ارسال به