اللَّه صلى اللّه عليه و آله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة ، فتشاغل رجل وترك السعي حتّى انقضت الأيّام وأُعيدت الأصنام ، فجاؤوا إليه فقالوا : يا رسول اللَّه ، إنّ فلاناً لم يسعَ بين الصفا والمروة ، وقد أُعيدت الأصنام ، فأنزل اللَّه عزّ و جلّ : «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا »۱، أي وعليهما الأصنام .۲
۸۳. الكافي : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَير وغيره ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : لمّا خرج رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله في غزوة الحديبية خرج في ذي القعدة ، فلمّا انتهى إلى المكان الّذي أحرم فيه ، أحرموا ولبسوا السلاح ، فلمّا بلغه أنّ المشركين قد أرسلوا إليه خالد بن الوليد ليردّه ، قال : ابغوني رجلاً يأخذني على غير هذا الطريق ، فأُتي برجلٍ من مُزَينة أو من جُهَينة ، فسأله فلم يوافقه ، فقال : ابغوني رجلاً غيره ، فأُتي برجلٍ آخر ، إمّا من مُزَينة وإمّا من جُهَينة . قال : فذُكر له ، فأخذه معه حتّى انتهى إلى العقبة ، فقال : من يصعدها حطّ اللَّه عنه كما حطّ اللَّه عن بني إسرائيل ، فقال لهم : «ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا ... نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَيَكُمْ »۳. قال : فابتدرها خيلُ الأنصارِ الأوسِ والخزرجِ . قال : وكانوا ألفاً وثمانمئة ، فلمّا هبطوا إلى الحديبية إذا امرأة معها ابنها على القَلِيب ، فسعى ابنها هارباً ، فلمّا أثبتت أنّه رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله صرخت به : هؤلاء الصابئون ليس عليك منهم بأس ، فأتاها رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فأمرها ، فاستقت دلواً من ماء ، فأخذه رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فشرب وغسل وجهه ، فأخذت فضلته فأعادته في البئر ، فلم تبرح حتّى الساعة .
وخرج رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، فأرسل إليه المشركون أبان بن سعيد في الخيل ، فكان بإزائه ، ثمّ أرسلوا الحُلَيس ، فرأى البُدن وهي تأكل بعضها أوبار بعض ، فرجع ولم يأتِ رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، وقال لأبي سفيان : يا أبا سفيان ، أمّا واللَّه ما على هذا حالفناكم على أن تردّوا الهدي عن محلّه ، فقال : اسكت ! فإنّما أنت أعرابيٌّ ، فقال : أما واللَّه لتخلّينّ عن محمّد وما أراد أو لأنفرِدنّ في الأحابيش ، فقال : اسكت حتّى نأخذ من محمّد وَلْثاً۴ .
فأرسلوا إليه عروة بن مسعود ، وقد كان جاء إلى قريش في القوم الّذين أصابهم المغيرة بن شعبة ، كان خرج معهم من الطائف وكانوا تجّاراً ، فقتلهم وجاء بأموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، فأبى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله أن يقبلها ، وقال : هذا غدر ، ولا حاجة لنا فيه . فأرسلوا إلى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فقالوا : يا رسول اللَّه ، هذا عروة بن مسعود قد أتاكم وهو يعظّم البُدن ، قال : فأقيموها . فأقاموها ، فقال : يا محمّد ، مَجيءَ من جئت ؟ قال : جئت أطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر هذه الإبل وأُخلّي عنكم عن لحمانها ، قال : لا واللاّت والعزّى ، فما رأيت مثلك رُدّ عمّا جئت له ، إنّ قومك يذكّرونك اللَّه والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وأن تقطع أرحامهم ، وأن تجرّي عليهم عدوّهم ، فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : ما أنا بفاعلٍ حتّى أدخلها . قال : وكان عروة بن مسعود حين كلّم رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله تناول لحيته والمغيرة قائم على رأسه ، فضرب بيده فقال : مَن هذا يا محمّد ؟ فقال : هذا ابن أخيك المغيرة ، فقال : يا غدر ! واللَّه ما جئتَ إلّا في غَسلِ سَلْحَتِكَ۵ ، قال : فرجع إليهم فقال لأبي سفيان وأصحابه : لا واللَّه ما رأيت مثل محمّدٍ رُدّ عمّا جاء له .
فأرسلوا إليه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّى ، فأمر رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فأُثيرت في وجوههم البُدن ، فقالا : مجيء من جئت ؟ قال : جئتُ لأطوف بالبيت وأسعى بين الصفا والمروة وأنحر البُدن وأخلّي بينكم وبين لحمانها ، فقالا : إنّ قومك يناشدونك اللَّه والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم ، وتقطع أرحامهم ، وتجرّي عليهم عدوّهم . قال : فأبى عليهما رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله إلّا أن يدخلها .
وكان رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله أراد أن يبعث عمر ، فقال : يا رسول اللَّه ، إنّ عشيرتي قليل ، وإنّي فيهم على ما تعلم ، ولكنّي أدلّك على عثمان بن عفّان . فأرسل إليه رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فقال : انطلق إلى قومك من المؤمنين فبشّرهم بما وعدني ربّي من فتح مكّة . فلمّا انطلق عثمان لقي أبان ابن سعيد ، فتأخّر عن السَّرْح۶ ، فَحَمَلَ عثمان بين يديه ، ودخل عثمان
1.سورة البقرة ( ۲ ) ، الآية ۱۵۸ .
2.الكافي ، ج ۴ ، ص ۴۳۵ ، ح ۸ ؛ بحار الأنوار ، ج ۲۰ ، ص ۳۶۵ ، ح ۱۲ .
3.سورة البقرة ( ۲ ) ، الآية ۵۸ .
4.الولث : العهد من القوم يقع من غير قصد ، أو يكون غير مؤكّد ( الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۹۶ « ولث » ) .
5.السَلَح : التغوّط ، وسلح الطائر سلحة ؛ إذا خرج منه ما يخرج من الإنسان عند التغوّط ( مجمع البحرين ، ج ۲ ، ص ۸۶۲ « سلح » ) .
6.السَّرح : المال السائم ( الصحاح ، ج ۱ ، ص ۳۷۴ « سرح » ) .