207
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل

العرب ، فإنّ العرب قد تسامعت بمسيرك ، فإن دخلت بلادنا وحرمنا استذلّتنا العرب واجترأت علينا ، ونخلّي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيّام حتّى تقضي نسكك وتنصرف عنّا .
فأجابهم رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله إلى ذلك ، وقالوا له : وتردّ إلينا كلّ من جاءك من رجالنا ، ونردّ إليك كلّ من جاءنا من رجالك . فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه ، ولكن على أنّ المسلمين بمكّة لا يُؤذون في إظهارهم الإسلام ، ولا يُكرهون ، ولا ينكر عليهم شي‏ء يفعلونه من شرائع الإسلام . فقبلوا ذلك . فلمّا أجابهم رسول اللَّه إلى الصلح أنكر عامّة أصحابه ، وأشدّ ما كان إنكاراً فلان ، فقال : يا رسول اللَّه ، ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل ؟ فقال : نعم ، قال : فنعطي الذلّة (الدنيّة ح) في ديننا ؟ قال : إنّ اللَّه قد وعدني ولن يخلفني ، قال : لو أنّ معي أربعين رجلاً لخالفته .
ورجع سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف إلى قريش فأخبرهم بالصلح ، فقال عمر : يا رسول اللَّه ، ألم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام ونحلق مع المحلّقين ؟ فقال : أمن عامنا هذا وعدتك ؟ قلت لك إنّ اللَّه عزّ و جلّ قد وعدني أن أفتح مكّة وأطوف وأسعى مع المحلّقين . فلمّا أكثروا عليه صلى اللّه عليه و آله قال لهم : إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم . فمرّوا نحو قريش وهم مستعدّون للحرب وحملوا عليهم ، فانهزم أصحاب رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله هزيمةً قبيحةً ، ومرّوا برسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، فتبسّم رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ قال : يا عليّ ، خذ السيف واستقبل قريشاً ، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام سيفه وحمل على قريش ، فلمّا نظروا إلى أمير المؤمنين عليه السلام تراجعوا ، وقالوا : يا عليّ ، بدا لمحمّد فيما أعطانا ؟ فقال : لا .
وتراجع أصحاب رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله مستحيين ، وأقبلوا يعتذرون إلى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، فقال لهم رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : ألستم أصحابي يوم بدر إذ أنزل اللَّه فيكم : «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ »۱؟ ألستم أصحابي يوم أُحد «إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُنَ عَلَى‏ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَلكُمْ »۲ ألستم أصحابي يوم كذا ؟

1.سورة الأنفال ( ۸ ) ، الآية ۹ .

2.سورة آل عمران ( ۳ ) ، الآية ۱۵۳ .


مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
206

في الصلاة أغرنا عليهم . فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله بصلاة الخوف بقوله : «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَوةَ »۱الآية .
فلمّا كان في اليوم الثاني ، نزل رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله الحديبية ، وهي على طرف الحرم ، وكان رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله يستنفر الأعراب في طريقه معه ، فلم يتّبعه أحد ، ويقولون : أيطمع محمّد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم ؟ إنّه لا يرجع محمّد وأصحابه إلى المدينة أبداً . فلمّا نزل رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله الحديبية خرجت قريش يحلفون باللّات والعزّى لا يدعون محمّداً يدخل مكّة وفيهم عين تطرف ، فبعث إليهم رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : إنّي لم آت لحربٍ ، وإنّما جئت لأقضي نسكي وأنحر بُدني وأُخلّي بينكم وبين لحماتها ، فبعثوا عروة بن مسعود الثقفيّ ، وكان عاقلاً لبيباً وهو الّذي أنزل اللَّه فيه : «وَ قَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى‏ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ »۲.
فلمّا أقبل على رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، عظّم ذلك وقال : يا محمّد ! تركت قومك وقد ضربوا الأبنية وأخرجوا العُود المَطَافِيل‏۳ يحلفون باللّات والعزّى لا يدعوك تدخل مكّة ، فإنّ مكّة حرمهم وفيها عين تطرف ، أفتريد أن تبيد أهلك وقومك يا محمّد ؟ فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : ما جئت لحربٍ ، وإنّما جئت لأقضي نسكي فأنحر بُدني وأُخلّي بينكم وبين لحماتها . فقال عروة : باللَّه ما رأيت كاليوم أحداً صُدّ عمّا صددت . فرجع إلى قريش وأخبرهم ، فقالت قريش : واللَّه لئن دخل محمّد مكّة وتسامعت به العرب لنذلّنّ ولتجترين علينا العرب ، فبعثوا حفص بن الأحنف وسهيل بن عمرو ، فلمّا نظر إليهما رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله قال : ويح قريش ، قد نهكتهم الحرب ، ألا خلّوا بيني وبين العرب ؟ فإن أكُ صادقاً فإنّما أجرّ الملك إليهم مع النبوّة ، وإن أكُ كاذباً كفتهم ذؤبان العرب ، لا يسألني اليوم امرؤ من قريش خطّةً ليس للَّه فيها سخط إلّا أجبتهم إليه . قال : فوافوا رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله فقالوا : يا محمّد ، ألا ترجع عنّا عامك هذا إلى أن ننظر إلى ماذا يصير أمرك وأمر

1.سورة النساء ( ۴ ) ، الآية ۱۰۲ .

2.سورة الزخرف ( ۴۳ ) ، الآية ۳۱ .

3.المُطفِلُ : الظبية معها طفلها وهي قريبة عهد بالنتاج ، وكذلك الناقة ( الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۷۵۱ « طفل » ) .

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11412
صفحه از 516
پرینت  ارسال به