لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات .
ثمّ صعدنا إلى السماء السادسة ، وإذا فيها رجل آدم طويل عليه سمرة ، ولولا أنّ عليه قميصين لنفذ شعره منهما ، فسمعته يقول : تزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم ولد آدم على اللَّه ، وهذا رجل أكرم على اللَّه منّي ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران ، فسلّمت عليه وسلّم عليَّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات .
ثمّ صعدنا إلى السماء السابعة ، فما مررت بملكٍ من الملائكة إلّا قالوا : يا محمّد ، احتجم وأمر أُمّتك بالحجامة ، وإذا فيها رجل أشمط۱ الرأس واللّحية ، جالس على كرسيّ ، فقلت : يا جبرئيل ، من هذا الّذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار اللَّه ؟ فقال : هذا أبوك إبراهيم ، وهذا محلّك ومحلّ من اتّقى من أُمّتك . ثمّ قرأ رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ »۲. قال صلى اللّه عليه و آله : فسلّمت عليه وسلّم عليَّ وقال : مرحباً بالنبيّ الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح . وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشّروني بالخير لي ولأُمّتي .
قال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : ورأيت في السماء السابعة بحاراً من نور يتلَألَأ ، يكاد تَلَألؤهَا يخطف بالأبصار ، وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد ، فلمّا فزعت ورأيت هولاً ، سألت جبرئيل ، فقال : أبشر يا محمّد واشكر كرامة ربّك ، واشكر اللَّه بما صنع إليك . قال : فثبّتني اللَّه بقوّته وعونه ، حتّى كثر قولي لجبرئيل عليه السلام وتعجّبي ، فقال جبرئيل : يا محمّد ، أتعظّم ما ترى ، إنّما هذا خلق من خلق ربّك ، فكيف بالخالق الّذي خلق ما ترى وما لا ترى أعظم من هذا ، من خلق ربّك أنّ بين اللَّه وبين خلقه سبعون (تسعون خ ل) ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى اللَّه أنا وإسرافيل ، وبيننا وبينه أربعة حجب ، حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من الغمام ، وحجاب من الماء .
قال صلى اللّه عليه و آله : ورأيت من العجائب الّتي خلق اللَّه سبحانه وسخّر به على ما أراده ، ديكاً رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش ، وملكاً من ملائكة اللَّه ، خلقه كما أراد ، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ثمّ أقبل مصعداً حتّى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ، وانتهى فيها مصعداً حتّى استقرّ قرنه إلى قرب العرش ، وهو يقول : سبحان ربّي حيث ما كنت ، لا تدري أين ربّك من عظم شأنه ، وله جناحان في منكبيه ، إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب ، فإذا كان في السحر ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح ، يقول : سبحان اللَّه الملك القدّوس ، سبحان اللَّه الكبير المتعال ، لا إله إلّا اللَّه الحيّ القيّوم ، وإذا قال ذلك سبّحت ديوك الأرض كلّها ، وخفقت بأجنحتها ، وأخذت في الصراخ ، فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلّها ، ولذلك الديك زغب۳ أخضر ، وريش أبيض كأشدّ بياض ما رأيته قطّ وله زغب أخضر أيضاً ، تحت ريشه الأبيض كأشدّ خضرة ما رأيتها .
ثم قال صلى اللّه عليه و آله : مضيت مع جبرئيل عليه السلام فدخلت البيت المعمور ، فصلّيت فيها ركعتين ، ومعي أُناس من أصحابي عليهم ثياب جدد ، وآخرون عليهم ثياب خلقان ، فدخل أصحاب الجدد وحُبس أصحاب الخلقان . ثمّ خرجت فانقاد لي نهران ، نهر يُسمّى الكوثر ، ونهر يُسمّى الرحمة ، فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ، ثمّ انقادا لي جميعاً حتّى دخلت الجنّة ، وإذا على حافتيها بيوتي وبيوت أزواجي ، فإذا ترابها كالمسك ، وإذا جارية تنغمس في أنهار الجنّة ، فقلت : لمن أنتِ يا جارية ؟ فقالت : لزيد بن حارثة ، فبشّرته بها حين أصبحت ، وإذا بطيرها كالبخت ، وإذا رمّانها مثل الدلاء العظام ، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة ، وليس في الجنّة منزل إلّا وفيها فرع منها ، فقلت : ما هذه يا جبرئيل ؟ فقال : هذه شجرة طوبى ، قال اللَّه : «طُوبَى لَهُمْ وَ حُسْنُ مََابٍ »۴.
قال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : فلمّا دخلت الجنّة رجعت إليّ نفسي ، فسألت جبرئيل عليه السلام عن تلك
1.الشَّمَط : بياض شعر الرأس يخالط سواده ، والرجل أشمط ( الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۱۳۸ « شمط » ) .
2.سورة آل عمران ( ۳ ) ، الآية ۶۸ .
3.الزغب : الشعيرات الصفر على ريش الفرخ ( الصحاح ، ج۱ ، ص ۱۴۳ « زغب » ) .
4.سورة الرعد ( ۱۳ ) ، الآية ۲۹ .