183
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل

وكّله اللَّه بأكناف السموات وأطراف الأرضين ، وهو أنصح ملائكة اللَّه تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين ، يدعو لهم بما تسمع منذ خُلق .
وملكان يناديان في السماء ، أحدهما يقول : اللّهمّ أعطِ كلّ منفق خلفاً ، والآخر يقول : اللّهمّ أعطِ كلّ ممسكٍ تلفاً . ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوامٍ لهم مشافر كمشافر الإبل ، يُقرض اللّحم من جنوبهم ويُلقى في أفواههم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الهمّازون اللّمّازون . ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوامٍ تُرضخ رؤوسهم بالصّخر ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الّذين ينامون عن صلاة العشاء. ثمّ مضيت، فإذا أنا بأقوامٍ تُقذف النار في أفواههم وتخرج من أدبارهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ الْيَتَمَى‏ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا »۱.
ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوامٍ يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء : «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَواْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَنُ مِنَ الْمَسِ‏ّ »۲، فإذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار «غُدُوًّا وَ عَشِيًّا »۳، يقولون : ربّنا متى تقوم الساعة . قال : ثمّ مضيت فإذا أنا بنسوان معلّقات بثديهنّ ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء اللّواتي يورّثن أموال أزواجهنّ أولاد غيرهم . ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : اشتدّ غضب اللَّه على امرأةٍ أدخلت على قومٍ في نسبهم من ليس منهم ، فاطّلع على عوراتهم وأكل خزائنهم .
قال : ثمّ مررنا بملائكةٍ من ملائكة اللَّه عزّ و جلّ ، خلقهم اللَّه كيف شاء ، ووضع وجوههم كيف شاء ، ليس شي‏ء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبّح اللَّه ويحمّده من كلّ ناحية بأصواتٍ مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية اللَّه ، فسألت جبرئيل عليه السلام عنهم ؟ فقال : كما ترى خُلقوا ، إنّ الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلّمه قطّ ، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ، ولا خفضوها إلى ما تحتهم ؛ خوفاً من اللَّه وخشوعاً ، فسلّمت

1.سورة النساء ( ۴ ) ، الآية ۱۰ .

2.سورة البقرة ( ۲ ) ، الآية ۲۷۵ .

3.سورة غافر ( ۴۰ ) ، الآية ۴۶ .


مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
182

عِلِّيِّينَ * وَ مَآ أَدْرَلكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَبٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ . . . »۱ إلى آخرها . قال : فسلّمت على أبي آدم وسلّم عليَّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحباً بالابن الصالح والنبيّ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح .
ثمّ مررت بملكٍ من الملائكة وهو جالس ، وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، وإذا بيده لوحٌ من نورٍ فيه كتاب ينظر فيه ، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً ، مقبلاً عليه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا ملك الموت ، دائب في قبض الأرواح ، فقلت : يا جبرئيل عليه السلام أدنني منه حتّى أُكلّمه ، فأدناني منه ، فسلّمت عليه ، وقال له جبرئيل : هذا محمّد نبيّ الرحمة الّذي أرسله اللَّه إلى العباد ، فرحّب بي وحيّاني بالسلام ، وقال : أبشر يا محمّد ، فإنّي أرى الخير كلّه في أُمّتك ، فقلت : الحمد للَّه المنّان ذي النعم على عباده ، ذلك من فضل ربّي ورحمته عليَّ . فقال جبرئيل : هو أشدّ الملائكة عملاً ، فقلت : أكلّ من مات أو هو ميّت فيما بعد هذا تقبض روحه ؟ قال : نعم ، قلت : تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك ؟ فقال : نعم ، فقال ملك الموت : ما الدنيا كلّها عندي فيما سخّرها اللَّه لي ومكّنني منها ، إلّا كالدرهم في كفّ الرجل يقلّبه كيف يشاء ، وما من دار إلّا وأنا أتصفّحها كلّ يوم خمس مرّات ، وأقول إذا بكى أهل الميّت على ميّتهم : لا تبكوا عليه ، فإنّ لي فيكم عودةً وعودة ، حتّى لا يبقى منكم أحد . فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : كفى بالموت طامّةً يا جبرئيل ، فقال جبرئيل : إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت .
قال : ثمّ مضيت ، فإذا أنا بقومٍ بين أيديهم موائد من لحمٍ طيّب ولحم خبيث ، يأكلون الخبيث ويدعون الطيّب ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الّذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال ، وهم من أُمّتك يا محمّد ! فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : ثمّ رأيت ملكاً من الملائكة جعل اللَّه أمره عجباً ، نصف جسده النار والنصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ، ولا الثلج يطفئ النار ، وهو ينادي بصوتٍ رفيع ويقول : سبحان الّذي كفّ حرّ هذه النار فلا تذيب الثلج ، وكفّ برد هذا الثلج فلا يُطفئ حرّ هذه النار ، اللّهمّ يا مؤلّف بين الثلج والنار ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا ملك

1.سورة المطفّفين ( ۸۳ ) ، الآية ۱۸ - ۲۱ .

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11942
صفحه از 516
پرینت  ارسال به