181
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل

جبرئيل : أتسمع يا محمّد ؟ قلت: نعم ، قال : هذه صخرة قذفتُها عن شفير جهنّم منذ سبعين عاماً ، فهذا حين استقرّت . قالوا : فما ضحك رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله حتّى قُبِض .
قال : فصعد جبرئيل عليه السلام وصعدت معه إلى سماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة الّتي قال اللَّه عزّ و جلّ : «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ »۱، وتحته سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، فقال : يا جبرئيل ، من هذا معك ؟ فقال : محمّد صلى اللّه عليه و آله ، قال : أوقد بُعث ؟ قال: نعم . ففتح الباب فسلّمت عليه وسلّم عليَّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحباً بالأخ الناصح والنبيّ الصالح ، وتلقّتني الملائكة حتّى دخلت السماء الدنيا ، فما لقيني ملك إلّا ضاحكاً مستبشراً ، حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أرَ أعظم خلقاً منه ، كريه المنظر ، ظاهر الغضب ، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء ، إلّا أنّه لم يضحك ، ولم أرَ فيه من الاستبشار وما رأيت ممّن ضحك من الملائكة ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فإنّي قد فزعت ، فقال : يجوز أن تفزع منه ، وكلّنا نفزع منه ، هذا مالك خازن النار ، لم يضحك قطّ ، ولم يزل منذ ولّاه اللَّه جهنّم ، يزداد كلّ يوم غضباً وغيظاً على أعداء اللَّه وأهل معصيته ، فينتقم اللَّه به منهم ، ولو ضحك إلى أحدٍ كان قبلك أو كان ضاحكاً إلى أحدٍ بعدك لضحك إليك ، ولكنّه لا يضحك .
فسلّمت عليه ، فردّ عليَّ السلام وبشّرني بالجنّة ، فقلت لجبرئيل عليه السلام - وجبرئيل عليه السلام بالمكان الّذي وصفه اللَّه «مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » : ألا تأمره أن يريني النار ؟ فقال له جبرئيل : يا مالك ، أرِ محمّداً النار ، فكشف عنها غطاءها وفتح باباً منها ، فخرج منها لهب ساطع في السماء ، وفارت ، فارتعدتُ حتّى ظننت ليتناولني ممّا رأيت ، فقلت له : يا جبرئيل ، قل له فليردّ عليها غطاءها ، فأمرها فقال لها : ارجعي ، فرجعت إلى مكانها الّذي خرجت منه .
ثمّ مضيت فرأيت رجلاً آدماً جسيماً ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا أبوك آدم ، فإذا هو يعرض عليه ذرّيّته فيقول : روح طيّب وريح طيّبة من جسدٍ طيّب ، ثمّ تلا رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله سورة المطفّفين على رأس سبع عشرة آيةً : «كَلَّآ إِنَّ كِتَبَ الْأَبْرَارِ لَفِى

1.سورة الصافات ( ۳۷ ) ، الآية ۱۰ .


مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
180

إليه ، ثمّ ناداني منادٍ عن يساري : يا محمّد ، فلم أجبه ولم ألتفت إليه ، ثمّ استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتّى أكلّمك ، فلم ألتفت إليها ، ثمّ سرت فسمعت صوتاً أفزعني ، فجاوزت به فنزل بي جبرئيل عليه السلام ، فقال : صلّ ، فصلّيت ، فقال : أتدري أين صلّيت ؟ فقلت : لا ، فقال صلّيت بطيبة ، وإليها مهاجرتك . ثمّ ركبت ، فمضينا ما شاء اللَّه ، ثمّ قال لي : انزل وصلّ ، فنزلت وصلّيت ، فقال لي : أتدري أين صلّيت ؟ فقلت : لا ، فقال : صلّيت بطور سيناء ، حيث كلّم اللَّه موسى تكليماً . ثمّ ركبت فمضينا ما شاء اللَّه ، ثمّ قال لي : انزل فصلّ ، فنزلت وصلّيت ، فقال لي : أتدري أين صلّيت ؟ فقلت : لا ، قال : صلّيت في بيت لحم ، بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام .
ثمّ ركبت ، فمضينا حتّى انتهينا إلى بيت المقدس ، فربطت البراق بالحلقة الّتي كانت الأنبياء تربط بها ، فدخلت المسجد ومعي جبرئيل عليه السلام إلى جنبي ، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء اللَّه من أنبياء اللَّه قد جُمعوا إلَيَّ ، وأقمت الصلاة ، ولا أشكّ إلّا وجبرئيل عليه السلام استقدمنا ، فلمّا استووا أخذ جبرئيل عليه السلام بعضدي فقدّمني فأمّمتهم ولا فخر . ثمّ أتاني الخازن بثلاث أواني : إناء فيه لبن ، وإناء فيه ماء ، وإناء فيه خمر ، وسمعت قائلاً يقول : إن أخذ الماء غرق وغرقت أُمّته ، وإن أخذ الخمر غوي وغويت أُمّته وإن أخذ اللّبن هُدي وهُديت أُمّته . قال : فأخذت اللّبن وشربت منه ، فقال جبرئيل : هُديت وهُديت أُمّتك .
ثمّ قال لي : ماذا رأيت في مسيرك ؟ فقلت : ناداني منادٍ عن يميني ، فقال : أو أجبته ؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه ، فقال : ذلك داعي اليهود ، لو أجبته لتهوّدت أُمّتك من بعدك . ثمّ قال : ماذا رأيت ؟ فقلت : ناداني منادٍ عن يساري ، فقال : أو أجبته ؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه ، فقال : ذاك داعي النصارى ، لو أجبته لتنصّرت أُمّتك من بعدك . ثمّ قال : ماذا استقبلك ؟ فقلت : لقيت امرأةً كاشفةً عن ذراعيها ، عليها من كلّ زينة ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتّى أُكلّمك ، فقال لي : أفكلّمتها ؟ فقلت : لم أكلّمها ولم ألتفت إليها ، فقال : تلك الدنيا ، ولو كلّمتها لاختارت أُمّتك الدنيا على الآخرة . ثمّ سمعت صوتاً أفزعني ، فقال

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11944
صفحه از 516
پرینت  ارسال به