157
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل

طبرستان ، ثمّ خرج في دجلة الغوراء . قال : ثمّ مرّت به تحت الأرض حتّى لحقت بقارون ، وكان قارون هلك في أيّام موسى عليه السلام ، ووكّل اللَّه به ملكاً يُدخله في الأرض كلّ يوم قامة رجل ، وكان يونس في بطن الحوت يسبّح اللَّه ويستغفره ، فسمع قارون صوته ، فقال للملك الموكّل به : أنظِرني ، فإنّي أسمع كلام آدميّ ، فأوحى اللَّه إلى الملك الموكّل به أنظره ، فأنظره ، ثمّ قال قارون : مَن أنت ؟ قال يونس : أنا المذنب الخاطئ يونس بن متّى ، قال : فما فعل الشديد الغضب للَّه موسى بن عمران ؟ قال : هيهات هلك ، قال : فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه هارون بن عمران ؟ قال : هلك ، قال : فما فعلت كُلثُمُ بنت عمران الّتي كانت سُمّيت لي ؟ قال : هيهات ما بقي من آل عمران أحد ، فقال قارون : وا أسفاه على آل عمران . فشكر اللَّه له ذلك ، فأمر اللَّه الملك الموكّل به أن يرفع عنه العذاب أيّام الدنيا ، فَرَفَع عنه .
فلمّا رأى يونس ذلك «فَنَادَى‏ فِى الظُّلُمَتِ أَن لَّآ إِلَهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّلِمِينَ »۱، فاستجاب اللَّه له وأمر الحوت أن تلفظه فلفظته على ساحل البحر وقد ذهب جلده ولحمه ، وأنبت اللَّه «عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ »۲، وهي الدبّاء ، فأظلّته من الشمس ، فشكر ، ثمّ أمر اللَّه الشجرة فتنحّت عنه ووقعت الشمس عليه ، فجزع ، فأوحى اللَّه إليه : يا يونس ، لم لم ترحم مئة ألف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة ! فقال : يا ربّ عفوك عفوك .
فردّ اللَّه بدنه ، ورجع إلى قومه وآمنوا به ، وهو قوله : «فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَنُهَآ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَهُمْ إِلَى‏ حِينٍ »۳. وقالوا : مكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات ، ثمّ قال اللَّه لنبيّه عليه السلام : «وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَأَمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى‏ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ »۴؟ يعني لو شاء اللَّه أن يجبر الناس كلّهم على الإيمان لفعل .۵

1.سورة الأنبياء ( ۲۱ ) ، الآية ۸۷ .

2.سورة الصافات ( ۳۷ ) ، الآية ۱۴۶ .

3.سورة يونس ( ۱۰ ) ، الآية ۹۸ - ۹۹ .

4.تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۳۱۷ ( سورة يونس ) ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۴ ، ص ۳۸۰ ، ح ۲ .


مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
156

ينهاه ويقول : لا تدعُ عليهم ؛ فإنّ اللَّه يستجيب لك ولا يحبّ هلاك عباده .
فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم ، فدعا عليهم ، فأوحى اللَّه عزّ و جلّ إليه : يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا ، في شهر كذا وكذا ، في يوم كذا وكذا . فلمّا قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد ، وبقي العالم فيها ، فلمّا كان في ذلك اليوم نزل العذاب ، فقال العالم لهم : يا قوم ، افزعوا إلى اللَّه ، فلعلّه يرحمكم ويردّ العذاب عنكم ، فقالوا : كيف نصنع ؟ قال : اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة۱ ، وفرّقوا بين النساء والأولاد ، وبين الإبل وأولادها ، وبين البقر وأولادها ، وبين الغنم وأولادها ، ثمّ ابكوا وادعوا . فذهبوا وفعلوا ذلك ، وضجّوا وبكوا ، فرحمهم اللَّه وصرف عنهم العذاب ، وفرّق العذاب على الجبال ، وقد كان نزل وقرب منهم .
فأقبل يونس ينظر كيف أهلكهم اللَّه ، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم ، قال لهم : ما فعل قوم يونس ؟ فقالوا له - ولم يعرفوه : إنّ يونس دعا عليهم فاستجاب اللَّه له ونزل العذاب عليهم ، فاجتمعوا وبكوا فدعوا فرحمهم اللَّه وصرف ذلك عنهم ، وفرّق العذاب على الجبال ، فهم إذاً يطلبون يونس ليؤمنوا به . فغضب يونس ، ومرّ على وجهه مغاضباً للَّه كما حكى اللَّه ، حتّى انتهى إلى ساحل البحر ، فإذا سفينة قد شُحِنت وأرادوا أن يدفعوها ، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه ، فلمّا توسّطوا البحر بعث اللَّه حوتاً عظيماً فحبس عليهم السفينة من قدّامها ، فنظر إليه يونس ففزع منه وصار إلى مؤخّر السفينة ، فدار إليه الحوت وفتح فاه ، فخرج أهل السفينة فقالوا : فينا عاصٍ ، فتساهموا ، فخرج سهم يونس ، وهو قول اللَّه عزّ و جلّ : «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ »۲، فأخرجوه فألقوه في البحر ، فالتقمه الحوت ، ومرّ به في الماء .
وقد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين عليه السلام عن سجنٍ طاف أقطار الأرض بصاحبه ، فقال : يا يهوديّ ، أمّا السجن الّذي طاف أقطار الأرض بصاحبه ، فإنّه الحوت الّذي حَبَسَ يونسَ في بطنه ، فدخل في بحر القلزم ، ثمّ خرج إلى بحر مصر ، ثمّ دخل إلى بحر

1.المفازة : واحدة المفاوز ، قال ابن الأعرابي : سُمّيت بذلك لأنّها مهلكة ، مِن فوز ؛ أي هلك ( الصحاح ، ج ۳ ، ص‏۸۹۰ « فوز » ) .

2.سورة الصافات ( ۳۷ ) ، الآية ۱۴۱ .

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9286
صفحه از 516
پرینت  ارسال به