۸۳. الكافي : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمَير ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : كان رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله أوّل ما بُعِث يصوم حتّى يقال : ما يفطر ، ويفطر حتّى يقال : ما يصوم ، ثمّ ترك ذلك وصام يوماً وأفطر يوماً ، وهو صوم داوود عليه السلام ، ثمّ ترك ذلك وصام الثلاثة الأيّام الغُرّ ، ثمّ ترك ذلك وفرّقها في كلّ عشرة أيّام يوماً ، خميسين بينهما أربعاء ، فقُبِض عليه وآله السلام وهو يعمل ذلك .۱
۸۴. تفسير القمّي : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عُمَير ، عن هشام ، عن الصادق عليه السلام قال : إنّ داوود عليه السلام لمّا جعله اللَّه عزّ و جلّ خليفةً في الأرض وأنزل عليه الزبور ، أوحى اللَّه عزّ و جلّ إلى الجبال والطير أن يسبّحن معه ، وكان سببه أنّه إذا صلّى ببني إسرائيل يقوم وزيره بعدما يفرغ من الصلاة فيحمد اللَّه ويسبّحه ويكبّره ويهلّله ، ثمّ يمدح الأنبياء عليهم السلام نبيّاً نبيّاً ، ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم للَّه سبحانه تعالى والصبر على بلائه ، ولا يذكر داوود عليه السلام ، فنادى داوود ربّه فقال : يا ربّ قد أنعمت على الأنبياء بما قد أثنيت عليهم ، ولم تثنِ عليَّ ! فأوحى اللَّه عزّ و جلّ إليه : هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا وأنا أثني عليهم بذلك ، فقال : يا ربّ ، فابتلني حتّى أصبر ، فقال : يا داوود ، تختار البلاء على العافية ؟ إنّي ابتليت هؤلاء وأنا لم أعلّمهم ، وأنا ابتليك وأُعلّمك أنّ بلائي في سنة كذا وشهر كذا وفي يوم كذا .
وكان داوود يفرّغ نفسه لعبادته يوماً ويقعد في محرابه يوماً ، ويقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم ، فلمّا كان اليوم الّذي وعده اللَّه عزّ و جلّ اشتدّت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلّي ، فإذا طائر قد وقع بين يديه ، جناحاه من زبرجد أخضر ، ورجلاه من ياقوت أحمر ، ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد ، فأعجبه جدّاً ونسي ما كان فيه ، فقام ليأخذه ، فطار الطائر فوقع على حائطٍ بين داوود وبين أُورِيَا بن حنان ، وكان داوود قد بعث أُورِيَا في بعثٍ ، فصعد داوود الحائط ليأخذ الطير ، وإذا امرأة أُورِيَا جالسة تغتسل ، فلمّا رأت ظلّ داوود نشرت شعرها وغطّت به بدنها ، فنظر إليها داوود وافتتن بها .
ورجع إلى محرابه ونسي ما كان فيه ، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث ، لما أن يصيروا إلى موضع كيتٍ وكيت ، يوضع التابوت بينهم وبين عدوّهم ، وكان التابوت في بني إسرائيل ، كما قال اللَّه عزّ و جلّ : «فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَرُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَئِكَةُ »۲ ، وقد كان رُفِع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لمّا عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ، فلمّا غلبهم جالوت وسألوا النبيّ أن يبعث إليهم ملكاً يقاتل في سبيل اللَّه، بعث إليهم طالوت ، وأنزل عليهم التابوت ، وكان التابوت إذا وُضِع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورَجَعَ عن التابوت إنسانٌ كُفّر وقُتل ، ولا يرجع أحد عنه إلّا ويُقتل .
فكتب داوود إلى صاحبه الّذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوّك ، وقدّم أُورِيَا بن حنان بين يدي التابوت . فَقدَّمَهُ وقُتِل ، فلمّا قُتل أُورِيَا ، دخل عليه الملكان وقعدا ، ولم يكن تزوّج امرأة أُورِيَا وكانت في عدّتها وداوود في محرابه يوم عبادته ، فدخل عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ، ففزع داوود منهما ، فقالا : «لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَ اهْدِنَآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَ طِ »۳، ولداوود حينئذٍ تسع وتسعون امرأةً ما بين مَهِيرَةٍ إلى جارية ، فقال أحدهما لداوود : «إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَ حِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَ عَزَّنِى فِى الْخِطَابِ »۴ ، أي ظلمني وقهرني .
فقال داوود كما حكى اللَّه عزّ و جلّ : «لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ »۵ إلى قوله : «وَ خَرَّ رَاكِعًا وَ أَنَابَ »۶ . قال : فضحك المُستَعدَى عليه من الملائكة ، وقال : وقد حكم الرجل على نفسه ، فقال داوود : أتضحك وقد عصيت ؟ لقد هممت أن أهشِمَ فاكَ . قال : فعرجا ، وقال الملك المُستَعدَى عليه : لو علم داوود أنّه أحقّ بهشم فيه منّي ! ففهم داوود الأمر ، وذكر الخطيئة . فبقي أربعين يوماً ساجداً يبكي ليله ونهاره ، ولا يقوم إلّا وقت الصلاة ، حتّى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه ، فلمّا كان بعد أربعين يوماً نودي : يا
1.الكافي ، ج ۴ ، ص ۹۰ ، ح ۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۶ ، ص ۲۷۰ ، ح ۸۵ .
2.سورة البقرة ( ۲ ) ، الآية ۲۴۸ .
3.سورة ص ( ۳۸ ) ، الآية ۲۲ .
4.سورة ص ( ۳۸ ) ، الآية ۲۳ - ۲۴ .