227
مسند ابن ابی عمیر المجلّد الثّانی

اللَّه صلى اللّه عليه و آله قد مضت كأنّه دخل في أنفسهم شي‏ءٌ للّذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم، حتّى انتهى إلى نمرة ، وهي بطن عرنة بحيال الأراك ، فضربت قبّته وضرب الناس أخبيتهم عندها .
فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ومعه قريشٌ وقد اغتسل وقطع التلبية حتّى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثمّ صلّى الظهر والعصر بأذانٍ وإقامتين ، ثمّ مضى إلى الموقف فوقف به ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها ، فنحّاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيّها الناس ! ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كلّه ، وأومأ بيده إلى الموقف فتفرّق الناس ، وفعل مثل ذلك بالمزدلفة ، فوقف الناس حتّى وقع القرص - قرص الشمس - ، ثمّ أفاض وأمر الناس بالدَّعَة حتّى انتهى إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام ، فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذانٍ واحد وإقامتين ، ثمّ أقام حتّى صلّى فيها الفجر ، وعجّل ضعفاء بني هاشم بليلٍ ، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة - جمرة العقبة - حتّى تطلع الشمس ، فلمّا أضاء له النهار أفاض حتّى انتهى إلى منىً فرمى جمرة العقبة .
وكان الهدي الّذي جاء به رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله أربعةً وستّين أو ستّةً وستّين ، وجاء عليٌّ عليه السلام بأربعةٍ وثلاثين أو ستّةٍ وثلاثين ، فنحر رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ستّةً وستّين ونحر عليٌّ عليه السلام أربعة وثلاثين بَدَنةً ، وأمر رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله أن يؤخذ من كلّ بدنة منها جَذوَةٌ۱ من لحمٍ ثمّ تطرح في بُرمَةٍ۲ ثمّ تُطبخ ، فأكل رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله وعليٌّ ، وحَسَيا۳ من مرقها ، ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها ، وتصدّق به وحلق وزار البيت ، ورجع إلى منىً وأقام بها حتّى كان اليوم الثالث من آخر أيّام التشريق ، ثمّ رمى الجمار ونفر حتّى انتهى إلى الأبطح ، فقالت له عائشة : يا رسول اللَّه ، ترجع نساؤك بحجّة وعمرة معاً وأرجع بحجّة ؟ فأقام بالأبطح وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فأهلّت بعمرة ثمّ جاءت

1.الجَذّ : القطع ( مجمع البحرين ، ج ۳ ، ص ۱۷۸ «جذذ » ) .

2.البُرمة : قِدر من حجارة ، والجمع بَرَمٌ وبِرامٌ وبُرمٌ ( لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۴۵ « برم » ) .

3.حسا زيد المرق حسواً : شربه شيئاً بعد شي‏ء . قال سيبويه : الحسي عمل في مهلة ( تاج العروس ، ج ۱۹ ، ص ۳۱۸ « حسو » ) .


مسند ابن ابی عمیر المجلّد الثّانی
226

عليه ، ثمّ قال : إنّ هذا جبرئيل - وأومأ بيده إلى خلفه - يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحلّ ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثلما أمرتكم ، ولكنّي سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه .
قال : فقال له رجلٌ من القوم : لنخرجنّ حجّاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر ! فقال له رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : أما إنّك لن تؤمن بهذا أبداً . فقال له سُرَاقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ : يا رسول اللَّه ، علّمنا ديننا كأنّا خُلقنا اليوم ، فهذا الّذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل ؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : بل هو للأبد إلى يوم القيامة . ثمّ شبّك أصابعه وقال : دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة .
قال : وقدم عليٌّ عليه السلام من اليمن على رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله وهو بمكّة ، فدخل على فاطمة عليها السلام وهي قد أحلّت ، فوجد ريحاً طيّبةً ووجد عليها ثياباً مصبوغةً ، فقال : ما هذا يا فاطمة ؟ فقالت : أمرنا بهذا رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله ، فخرج عليٌّ عليه السلام إلى رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله مستفتياً ، فقال : يا رسول اللَّه ! إنّي رأيت فاطمة قد أحلّت وعليها ثيابٌ مصبوغةٌ ، فقال رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : أنا أمرت الناس بذلك ، فأنت يا عليّ بما أهللت ، قال : يا رسول اللَّه ، إهلالاً كإهلال النبيّ ؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : قرّ على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي .
قال: ونزل رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله بمكّة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدور، فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ ، وهو قول اللَّه عزّ و جلّ الّذي أنزل على نبيّه صلى اللّه عليه و آله : « فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَ هِيمَ »۱، فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله وأصحابه مهلّين بالحجّ حتّى أتى منىً ، فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، ثمّ غدا والناس معه ، وكانت قريشٌ تفيض من المزدلفة وهي جمعٌ ويمنعون الناس أن يفيضوا منها ، فأقبل رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله وقريشٌ ترجوا أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل اللَّه تعالى عليه : « ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ »۲ يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم ، فلمّا رأت قريشٌ أنّ قبّة رسول

1.سورة آل عمران ( ۳ ) ، الآية ۹۵ .

2.سورة البقرة ( ۲ ) ، الآية ۱۹۹ .

  • نام منبع :
    مسند ابن ابی عمیر المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    گردآوری و تنظیم: بشیر محمدی مازندرانی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1393
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 13031
صفحه از 672
پرینت  ارسال به