93
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
92

الحديث الثاني والثلاثون والمائة

[تجسّم الأعمال يوم القيامة]

۰.ما رويناه عن ثقة الإسلام في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن سدير الصيرفيّ ، قال : قال أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام في حديث طويل : « إذا بعث اللَّه المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه ، كلّما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال : لا تفزع ولا تحزن وابشر بالسرور ، ولاكرامة من اللَّه عزّ وجلّ حتّى يقف بين يدي اللَّه تعالى ، فيحاسبه حساباً يسيراً ويأمر به إلى الجنّة والمثال أمامه ، فيقول له المؤمن : يرحمك اللَّه ، نعم الخارج خرجت معي من قبري ، وما زلت تبشّرني بالسرور والكرامة من اللَّه عزّ وجلّ حتّى رأيت ذلك ، فمن أنت ؟ فيقول : أنا السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا ، خلقني اللَّه منه »۱ .

تحقيق‏

في هذا الحديث دلالة على تجسّم الأعمال في النشأة الاُخرويّة ، بل قد ورد في بعض الأخبار تجسّم الاعتقادات أيضاً ، ولا بُعد في أنّ الأعمال الصالحة والاعتقادات الصحيحة تظهر في الآخرة صوراً نورانيّة مستحسنة ، موجبة لصاحبها كمال السرور والابتهاج ، والأعمال السيّئة بعكس ذلك ، ويرشد إلى ذلك ظواهر كثير من الآيات والروايات .
قال اللَّه تعالى : « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ »۲ .
وقال تعالى : « يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْاْ أَعْمَلَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ »۳ ، ومن جعل التقدير : ليروا جزاء أعمالهم ولم يُرجع ضمير «يره» إلى العمل ، فقد أبعد .
وقال الشيخ البهائيّ رحمة اللَّه عليه :
الحقّ أنّ الموزون في النشأة الآخرة هو نفس الأعمال لا صحايفها ، وما يقال من أنّ تجسّم العرض طور خلاف طور العقل فكلام ظاهريّ عامّيّ ، والذي عليه الخواصّ من أهل التحقيق : أنّ سنخ الشي‏ء وحقيقته أمر مغاير للصورة التي يتجلّى بها على المشاعر الظاهرة ، ويلبسها لدى المدارك الباطنة ، وأنّه يختلف ظهوره في تلك الصور بحسب اختلاف المواطن والنشئآت ، فيلبس في كلّ موطن لباساً ويتجلبب في كلّ نشأة بجلباب ، كما قالوا : إنّ لون الماء لون إنائه ، وأمّا الأصل الذي تتوارد هذه الصور عليه ويعبّرون عنه تارة لسنخ ، ومرّة بالوجه واُخرى بالروح ، فلا يعلمه إلّا علّام الغيوب ، فلا بُعد في كون الشي‏ء في موطن عَرَضاً وفي آخر جوهراً .
ألا ترى إلى الشي‏ء المبصَر فإنّه إنّما يظهر لحسّ البصر إذا كان محفوفاً بالجلابيب الجسمانيّة ، ملازماً لوضع خاصّ ، وتوسّط بين القرب والبعد المفرطين وأمثال ذلك ، وهو يظهر في الحسّ المشترك عَريّاً من تلك الاُمور التي كانت شرط ظهوره لذلك الحسّ .
ألا ترى إلى أنّ ما يظهر في اليقظة من صورة العلم فإنّه في تلك النشأة أمر عرضيّ ، ثمّ إنّه يظهر في النوم بصورة اللبن ، فالظاهر في الصورتين سنخ واحد ، تجلّى في كلّ موطن بصورة ، وتحلّى في كلّ نشأة بحلية ، وتزيّا في كلّ عالم بزيّ ، وتسمّى في كلّ مقام باسم ، فقد تجسّم في مقام ما كان عرضاً في مقام آخر .
وقال أيضاً :
تجسّم الأعمال في النشئآت الاُخرويّة وأن يكون قرين الإنسان في قبره وحشره قد ورد في أحاديث متكثّرة من طرق المخالف والموافق .
وقد روى أصحابنا عن قيس بن عاصم ، قال : وفدت مع جماعة من بني تميم على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله فدخلت عليه وعنده الصلصال بن الدهمس‏۴ ، فقلت : يا رسول اللَّه ، عظنا موعظة ننتفع بها فإنّا قوم نقرّ بالبريّة .
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : « يا قيس ، إنّ مع العزّ ذلّاً ، وإنّ مع الحياة موتاً ، وإنّ مع الدنيا آخرة ، وإنّ لكلّ شي‏ء رقيباً ، وعلى كلّ شي‏ء حسيباً ، وإنّ لكلّ أجل كتاباً ، وإنّه لابدّ لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حيّ ، وتدفن معه وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك اللَّه ، وإن كان لئيماً أساءك ، ثمّ لا يحشر إلّا معك ولا تحشر إلّا معه ، ولا تُسئَل إلّا عنه ، فلا تجعله إلّا صالحاً ، فإنّه إن صلح أنستَ به ، وإن فسد لا تستوحش إلّا منه ، وهو فعلك » .
فقال : يا نبيّ اللَّه ، اُحبّ أن يكون هذا الكلام في أبيات من الشعر نفتخر به على من يلينا من العرب وندّخره .
فأمر النبيّ من يأتيه بحسّان ، قال قيس : فاستبان لي القول قبل مجي‏ء حسّان ، فقلت : يا رسول اللَّه ، قد حضرني أبيات أحسبها توافق ما تريد ، فقلت :
تخيّر خليطاً من فعالك إنّماقرينُ الفتى في القبر ما كان يفعل‏
ولابدّ بعد الموت من أن تعدّه‏ليوم ينادى المرء فيه فيقبل‏
فإن تك مشغولاً بشي‏ء فلا تكن‏بغير الذي يرضى به اللَّه تشغل‏
فلن يصحب الإنسان من بعد موته‏ومن قبله إلّا الذي كان يعمل‏
ثمّ قال البهائيّ :
قال بعض أصحاب القلوب : إنّ الحيّات والعقارب بل والنيران التي تظهر في القيامة هي بعينها الأعمال القبيحة ، والأخلاق الذميمة ، والعقائد الباطلة التي ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة وتجلببت بهذه الجلابيب ، كما أنّ الرَوح والريحان ، والحور والثمار هي الأخلاق الزكيّة ، والأعمال الصالحة ، والاعتقادات الحقّة التي برزت في هذا العالم بهذا الزيّ وتسمّت بهذا الاسم ؛ إذ الحقيقة واحدة ، تختلف صورها باختلاف المواطن ، فتتحلّى في كلّ موطن بحلية ، وتتزيّا في كلّ نشأة بزيّ .
وقالوا : إنّ اسم الفاعل في قوله تعالى : « يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُ بِالْكَفِرِينَ »۵ ليس بمعنى الاستقبال بأن يكون المراد : إنّها ستحيط بهم في النشأة الاُخرى - كما ذكره الظاهريّون من المفسّرين - بل هو على حقيقته من معنى الحال ، فإنّ قبائحهم الخلقيّة والعمليّة والاعتقاديّة محيطة بهم في هذه النشأة ، وهي بعينها جهنّم التي ستظهر لهم في النشأة الآخرة بصورة النار وعقاربها وحيّاتها .
وقس على ذلك قول اللَّه عزّ وجلّ : « إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ الْيَتَمَى‏ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا »۶ ، وكذلك قوله سبحانه : « يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا »۷ ؛ إذ ليس المراد أنّها تجد جزاءه بل تجده بعينه ، لكن ظاهراً في جلباب آخر ، وقوله تعالى : « فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيًْا وَ لَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »۸ كالصريح في ذلك ، ومثله في القرآن العزيز كثير .
وورد في الأحاديث النبويّة منه ما لا يحصى ، كقوله : « الذي يشرب في آنية الذهب والفضّة إنّما يجرجر في جوفه نار جهنّم » .
وقوله صلى اللَّه عليه وآله : « الظلم ظلمات يوم القيامة » .
وقوله : « الجنّة قيعان ، وأنّ غراسها : سبحان اللَّه وبحمده » ، إلى غير ذلك من الأحاديث المتكثّرة ، واللَّه الهادي‏۹ . انتهى .
أقول : قد تقدّم في أحاديث الجنّة والنار أحاديث كثيرة من هذا القبيل إلّا أنّ حملها على خلق اللَّه تعالى ما يماثل الأعمال والاعتقادات غير بعيد ، كما يشهد بذلك كثير من الروايات السابقة ، فتدبّر .
قال العلّامة المحدّث المجلسيّ رحمة اللَّه عليه في البحار - بعد نقل كلام البهائيّ الأخير - :
القول باستحالة انقلاب الجوهر عرضاً والعرض جوهراً في تلك النشأة مع القول بإمكانها في النشأة الآخرة قريب من السفسطة ؛ إذ النشأة الآخرة ليست إلّا مثل تلك النشأة ، وتخلّل الموت والإحياء بينهما لا يصلح أن يصير منشأ لأمثال ذلك ، والقياس على حال النوم واليقظة أشدّ سفسطة ؛ إذ ما يظهر في النوم إنّما يظهر في الوجود العلميّ ، وما يظهر في الخارج فإنّما يظهر بالوجود العينيّ ، ولا استبعاد كثيراً في اختلاف الحقائق بحسب الوجودين ، وأمّا النشأتان فهما من الوجود العينيّ ، ولا اختلاف بينهما إلّا بما ذكرنا ، وقد عرفت أنّه لا يصلح لاختلاف الحكم العقليّ في ذلك ، وأمّا الآيات والأخبار فهي غير صريحة في ذلك ؛ إذ يمكن حملها على أنّ اللَّه تعالى يخلق هذه بأزاء تلك ، أو هي جزاؤها ، ومثل هذا المجاز شائع ، بهذا الوجه وقع التصريح في كثير من الأخبار والآيات ، واللَّه يعلم وحججه عليهم السلام‏۱۰ ، انتهى كلامه رفع مقامه .

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۱۹۰ ، باب إدخال السرور على المؤمنين ، ح‏۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۶ ، ص‏۳۵۲ ، ح‏۲۱۷۴۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷ ، ص‏۱۹۷ ، ح‏۹۶ .

2.آل عمران ( ۳ ) : ۳۰ .

3.الزلزلة ( ۹۹ ) : ۶ - ۸ .

4.في المصدر : « الدلهمس » .

5.العنكبوت ( ۲۹ ) : ۵۴ .

6.النساء (۴) : ۱۰ .

7.يس ( ۳۶ ) : ۵۴ .

8.الأربعون ، ص ۴۹۳ - ۴۹۵ .

9.بحار الأنوار ، ج ۷ ، ص ۲۲۹ - ۲۳۰ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10607
صفحه از 719
پرینت  ارسال به