الحديث الحادي والثلاثون والمائة
[يؤتى بالشمس والقمر يوم القيامة في صورة ثورين]
۰.ما رويناه بالأسانيد المتقدّمة عن الصدوق في العلل ، عن أبيه ، عن سعد ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، عن أحمد بن محمّد ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إذا كان يوم القيامة اُتي بالشمس والقمر في صورة ثورين عقيرين ، فيُقذف بهما وبمن يعبدهما في النار ، وذلك أنّهما عُبدا فرضيا »۱ .
بيان
الظاهر أنّ هذا الحديث قد ورد من طرق العامّة أيضاً ، قال ابن الأثير فيه ما هذا لفظه :
العقير ، أي الجزور المنحور ، يقال : جمل عقير وناقة عقير ، قيل : كانوا إذا أرادوا نحر البعير عقروه ، أي قطعوا إحدى قوائمه ثمّ نحروه . . . وفيه : أنّه مرّ بحمار عقير ، أي أصابه عَقر ولم يمت بعد . . . وفي حديث كعب : إنّ الشمس والقمر ثوران عقيران في النار ، قيل : لمّا وصفهما اللَّه تعالى بالسباحة في قوله تعالى : « وَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ »۲ ، ثمّ أخبر أنّه يجعلهما في النار يعذِّب بهما أهلها بحيث لا يبرحان بها۳ صارا كأنّهما زمنان عقيران ، حكى ذلك أبو موسى ، وهو كما تراه۴ ، انتهى .
ولا يخفى أنّ الإشكال باق بحاله ، فيحتمل أن يكون المراد بالشمس والقمر : الأوّل والثاني ، وتكون عبادتهما كناية عن طاعتهما فيما نهى اللَّه عنه وزجر ، كما قال تعالى : « أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَبَنِى ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُواْ الشَّيْطَنَ »۵ .
ويدلّ على ذلك ما رواه القمّيّ في تفسيره عن الرضا عليه السلام في قوله : « الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ »۶ ، قال : « هما بعذاب اللَّه » ، قيل : الشمس والقمر يعذّبان ، قال : « سألتَ عن شيء فأتقنه ، إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه يجريان بأمره ، مطيعان له ، ضوءهما من نور عرشه ، وحرّهما من جهنّم ، فإذا كانت۷ القيامة عاد إلى العرش نورهما ، وعاد إلى النار حرّهما ، فلا يكون شمس ولا قمر ، وإنّما عناهما ، أوليس روى الناس أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال : إنّ الشمس والقمر نوران في النار ؟ » قال : بلى ، قال : « أما سمعت قول الناس : فلان وفلان شمسا هذه الاُمّة ونورها ، فهما في النار ، واللَّه ما عنى غيرهما »۸ .
ويحتمل أن يكون للشمس والقمر شعور كما عليه جملة من العرفاء والحكماء ، ويدلّ عليه ظواهر الآيات والأخبار كقوله تعالى : « كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ »۹ ، وقوله عليه السلام : «أيّها الخلق المطيع»۱۰ إلى آخر الدعاء ، ويكون قوله عليه السلام ؛ يعذّبان لرضائهما بذلك فلا بعد في ذلك .
ويحتمل أن يكون رضاهما مجازاً وكناية عن عدم شعورهما ، وسكوتهما ظاهراً يوهم الرضا ، وتعذيبهما لا يضرّهما بل يضرّ من عبدهما .
والحاصل : أنّ كلّ من عُبد ولم ينه عابده عن عبادته يدخل النار ، سواء كان مكلّفاً أم لا ؛ إذ لو كان مكلّفاً ولم ينه يكون راضياً بذلك كافراً ، ولو لم يكن مكلّفاً لا يتضرّر بالعذاب وإنّما يدخل النار لزيادة تعذيب عابديه ، وأمّا الملائكة وبعض الأنبياء والأوصياء فهم ينكرون ذلك ولا يرضون به ، فاُولئك عنها مبعدون ، ولهذا قال تعالى : « إِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ »۱۱ ولم يقل : ومن تعبدون .
وروي عن الصادق عليه السلام عن أبيه : « أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال : إنّ اللَّه تبارك وتعالى يأتي يوم القيامة بكلّ شيء يعبد من دونه من شمس أو قمر أو غير ذلك ، ثمّ يسأل كلّ إنسان عمّا كان يعبد ، فيقول كلّ من عبد غيره : ربّنا إنّا كنّا نعبدها لتقرّبنا إليك زلفى ، قال : فيقول اللَّه تبارك وتعالى للملائكة : اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النار ما خلا من استثنيت فإنّ اُولئك عنها مبعدون »۱۲ .
1.علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۶۰۵ ، ح۷۸ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۷ ، ص ۱۷۷ ، ح۱۳ .
2.يس ( ۳۶ ) : ۴۰ .
3.في المصدر : « يبرحانها » .
4.النهاية لابن الأثير ، ج ۳ ، ص ۲۷۲ و ۲۷۵ ( عقر ) .
5.يس ( ۳۶ ) : ۶۰ .
6.الرحمن ( ۵۵ ) : ۵ .
7.في المطبوع : + « يوم » ولم يرد في المصدر .
8.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۴۳ .
9.الأنبياء ( ۲۱ ) : ۳۳ .
10.من أدعية الصحيفة يدعى به عند رؤية الهلال . الصحيفة السجاديّة ، ص ۱۹۹ .
11.الأنبياء ( ۲۱ ) : ۹۸ .
12.بحار الأنوار ، ج ۷ ، ص ۱۷۸ ، ح ۱۴ .